حسن عليق | كاتب وباحث لبناني
تمثل بولا يعقوبيان النسخة الأقذر ممّا يُسمّى – زوراً في لبنان – ثقافة. “ثقافة” تتلخّص بالركوع للغرب، والارتزاق على أبواب السلاطين (في الخليج تحديداً)، وممارسة العنصرية والفوقية تجاه كل من بات يُقال له بكل وقاحة إنه “لا يشبهنا”.
هذه الثقافة، في مظهرها الأخير، سلعة مستوردة بالكامل. هي صورة مستنسخة عن عنصرية الرجل الأبيض ضد المهاجرين وأبنائهم وأحفادهم، كما ضد الشعوب المستهدفة بالحروب الغربية. حديث “لا يشبهوننا” و”الخطر على ثقافتنا” و”رفض الاندماج” ومشتقاته، هو حرفياً من أبرز ما استخدمه عنصريو الغرب لمواجهة المهاجرين واللاجئين وعزلهم.
“لا يشبهوننا” هو الكود الذي يُستخدم لتكرار شعارات التفوق العرقي او الحضاري، من دون أن يوصم مطلقه مباشرةً بالعنصرية أو الفاشية. فحديث الاختلاف و”الشبه” يمكن (ربما) استنباط فتاوى تبيحه من قِبل فقهاء “الصوابية السياسية”. أما مقولات “التفوق” فتعرّض قائلها لاتهامات التمييز او العنصرية أو الفاشية.
من هنا، فإن مطلقي شعارات “ثقافتنا” و”لا يشبهنا” الجوفاء في لبنان إنما هم ينظرون إلينا كما ينظر العنصري الأبيض في الغرب إلى المهاجرين واللاجئين: جسم غريب وخطر يحمل عدوى التدمير إلى مجتمعات المتشابهين.
ثقافة بولا ليست عنصرية فحسب، بل هي أيضاً نتاج تراكم جهل مركّب، يجعلها تقتنع بأنها متفوقة على مخالفيها الذين “لا يشبهونها”. جهل بالبلد وبالناس وبعقائدهم وتاريخهم. والأهم، أنه جهل بأمور زماننا، وبالسيولة المفرطة التي يتمتع بها ما يمكن وصفه تجاوزاً بـ”التبادل الثقافي” حول العالم، حتى في محضر “الهويات المنغلقة” و”الحضارات المتصادمة”. تمارس بولا جهلها العنصري تجاه لبنانيين إلى حد زعمها ان ثقافتهم مستوردة فيما ثقافتها أصيلة. هي تمثّل لبنان، أما أكبر جماعة سياسية في لبنان، فمستوردة. تتضخّم بولا في خيال نفسها حتى تعتقد أن في مقدورها ترسيم الحدود بين لبنان الأصلي ولبنان المستورد. وتتضخّم صورتها في عينيها إلى حد الزعم أنها المثال الذي ينبغي أن نتشبّه به (تخيلوا! تفه!)، وإلا فإنها وأشباهها سيطردوننا من جنّة لبنانهم.
في كل ذلك، لا تقول شيئاً سوى تكرار الدعاية الإسرائيلية – الأميركية – السعودية (وهي سلعة مستوردة أيضاً) التي تهدف إلى عزل جماعة لبنانية عبر القول إنها مستوردة، وأن ليس فيها شيء من لبنان. بولا المأجورة للنظام السعودي والنظام الأميركي والنظام الإماراتي، تريد تزوير تاريخ البلد، خدمة لأسيادها، بهدف إخراج جزء كبير من اللبنانيين من انتمائهم، تشريعاً لقتلهم في أي حرب مقبلة.
لم يشرح أحد لمأجورة السبهان الجاهلة العنصرية أن في تاريخ لبنان البعيد والقريب كما في حاضره نساء يرتدين الأسود “من فوق لتحت”. وبصرف النظر عن طوائفهن (اللباس الأسود للنساء لا يختص بطائفة او مذهب، وإن كانت نسبته بين الشيعة والدروز – مع فارق المنديل الأبيض – تبدو أكثر منها بين السنة والمسيحيين. عند المسيحيين يقتصر على الراهبات الأرثوذوكس) فإن عنصرية بولا المقيتة لا تخدش ثقافتهن ولا انتماءهنّ الوطني ولا أصالتهنّ. حتى لو فُتِحت لبولا كل الشاشات لتبث كذبها ونفاقها، فإنها لن تتمكن من جعلنا ننسى حقيقتها: مأجورة كاذبة منافقة… وعنصرية. هي كائن مستورَد، سياسياً وثقافياً وسلوكياً. كل خطابها مستورد. حتى عنصريتها مستوردة. إلا جهلها نتاج “جهد” شخصي.
لكن… في جانب من كلامها بعض الصدق. هذا ليس لبناناً واحداً، بل لبنانان: لبنان المقاوِمات والمكافِحات والعاملات والمناضِلات والمظلومات والمنتصرات، المتشحات بالسواد والمحجبات والمنقبات وغير المحجبات، المحافِظات والليبراليات، المؤمنات والكافرات والملحدات… لبنان يتسع لاختلاف الصادقات؛ في مقابل لبنان العمالة والارتزاق والنفاق والذل والعنصرية، لبنان بولا.
كل ما سبق ليس مشكلة بولا الأولى. مشكلها الأولى أنها غير مؤدبة.