كتب حسن حردان | مقاومة الشعب الفلسطيني تردع حكومة العدو وتكرّس قواعد جديدة للصراع

حسن حردان | كاتب وباحث في الشؤون السياسية

تحوّل نوعي في الصراع يتحقق على أرض فلسطين المحتلة لم يسبق ان حصل منذ نشأة الكيان الغاصب وتماديه في عدوانه وارتكاب جرائمه وتغوّله في تهويد الأرض والمقدسات.. هذا التحوّل النوعي تجلى في نجاح مقاومة الشعب الفلسطيني في إعادة تثبيت معادلة «سيف القدس» مرة ثانية، وهي المعادلة التي حمت المقدسيين في حي الشيخ جراح في المرة الأولى، واليوم تحمي باب العمود والمسجد الأقصى من اعتداءات وتهويد الصهاينة المحتلين.. هذه المعادلة قوامها العناصر التالية:

العنصر الاول، هبّة أبناء فلسطين للدفاع عن الأقصى من هجمات واعتداءات قوات الاحتلال والمستوطنين الصهاينة الذين يحاولون تكرار ما حصل في الحرم الابراهيمي في الخليل من تقسيم زماني ومكاني جديد في المسجد الأقصى في سياق مخططهم التهويدي وإعادة بناء ما يُسمّى بهيكل سليمان.. غير انّ مقاومة الشعب الفلسطيني حالت دون تمكن المستوطنين من تحقيق هدفهم بفرض التقسيم المكاني والزماني في الأقصى، كما  أجبرت حكومة العدو على منع مسيرة الأعلام التي نظمها المستوطنون برئاسة النائب الصهيوني المتطرف ايتمار بن غفير، من الوصول إلى باب العمود، خوفاً من تفجّر المواجهات على نطاق واسع.. حيث قرّر رئيس وزراء العدو نفتالي بينيت منع بن غفير من الوصول إلى باب العمود، وقال: «لا أنوي السماح لسياسة صغيرة بتعريض حياة البشر للخطر.. لن أسمح لاستفزاز سياسي بتعريض جنود الجيش وأفراد الشرطة لخطر وجعل مهمتهم أصعب.. نحن في مرحلة خطيرة قابلة للانفجار وهناك الكثير من المناسبات القريبة التي تستدعي البقاء في حالة تأهّب».

العنصر الثاني، تحرك أبناء الشعب الفلسطيني في كلّ أماكن تواجده في فلسطين المحتلة والشتات نصرة للأقصى والمدافعين عنه، حيث اندلعت المواجهات مع قوات الاحتلال في مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية المحتلة، الى جانب بعض الهجمات المسلحة مع جنود العدو، فيما نظمت التظاهرات والاعتصامات في قطاع غزة والشتات، مما حال دون تمكن الاحتلال والمستوطنين من الاستفراد بالمقدسيين ومناصريهم من المناطق المحتلة عام 1948، وزاد من قلق القادة الصهاينة من احتمال تطور الأوضاع إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية في حال جرى السماح للمستوطنين في التمادي في مخططهم التهويدي في الأقصى وباب العمود…

العنصر الثالث، استنفار فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة واستحضارها لمعادلة «سيف القدس» مرة ثانية في حالة تجاوز الاحتلال والمستوطنين الخطوط الحمراء الفلسطينية، المتمثلة بحماية المسجد الأقصى وعروبة القدس من التهويد… وقد تبع ذلك تسخين بالنار لجبهة المواجهة بين قطاع غزة ومستوطنات غلاف غزة.. مما أشعر العدو بأنّ الوضع لا يحتمل المناورة، فتحرّكت الوساطات الدبلوماسية لتهدئة الوضع وحضر وفد أميركي إلى فلسطين المحتلة لهذه الغاية، وهو أمر يؤشر إلى حاجة حكومة العدو إلى التهدئة وإيجاد مخارج لتراجعها عن التصعيد.. إلى جانب الخشية الأميركية من ازدياد التوتر واحتمالات التصعيد في المنطقة وخروج الوضع عن السيطرة والذهاب إلى مواجهة أوسع، حسب ما ذكرت مصادر «إسرائيلية» لصحيفة «معاريف»…

ماذا يعني هذا التراجع الصهيوني عن الذهاب إلى مواجهة واسعة مع الشعب الفلسطيني ومقاومته؟

انّ هذا التراجع الصهيوني يعني الأمور التالية:

اولاً، انّ كيان العدو بات يعاني من مأزق نابع من انسداد الآفاق أمامه لأيّ مواجهة واسعة على غرار المواجهة الأخيرة التي أنتجت معادلة «سيف القدس» الردعية.. وهذا الانسداد في الآفاق إنما يعود إلى سببين:

السبب الاول، أنّ ايّ تصعيد في المواجهة لن يفضي إلى أي نتيجة أفضل من النتائج التي أفضت إليها المواجهات السابقة، بل ستقود إلى مزيد من تآكل قوة الردع لجيش الاحتلال على أرض فلسطين المحتلة، وبالتالي تعزيز القناعة لدى الشعب الفلسطيني ومقاومته بالقدرة على تحقيق المزيد من الإذنجازات مما يصبّ في تعزيز خيار الصمود والمقاومة.

السبب الثاني، أنّ حكومة العدو لا رؤية لديها للذهاب إلى حلّ سياسي على قاعدة حلّ الدولتين، مما يبقي الوضع متوتراً وقابلاً للانفجار لأنّ الشعب الفلسطيني لن يرضى الاستكانة والقبول بالأمر الواقع الصهيوني…

ثانياً، وحدة الشعب الفلسطيني في كلّ أماكن تواجده في داخل فلسطين المحتلة وخارجها في مواجهة العدوان الصهيوني، حيث بات يصعب على الاحتلال اللعب على التناقضات الفلسطينية في ظلّ تماديه في اعتداءاته وجرائمه.. هذه الوحدة تجسّدت في معركة «سيف القدس» الأولى وتتجسّد اليوم في مواجهات الأقصى وقبلها في مخيم جنين، حتى أصبحت سلاحاً من أسلحة المقاومة… وسبباً في الصمود وتحقيق النصر ..

ثالثاً، وحدة فصائل المقاومة في غرفة عمليات مشتركة في اي مواجهة مع الاحتلال، باتت أيضا عنصرا من عناصر القوة الفلسطينية.. والتي تستدعي بالطبع المزيد من الارتقاء والتعزيز من خلال وضع استراتيجية متكاملة للنضال الوطني الفلسطيني.

هذه العوامل التي أجبرت العدو على عدم الذهاب إلى مواجهة واسعة، وألزمته بلجم المستوطنين ومنعهم من التمادي في اعتداءاتهم تجنباً لخروج الأمور عن السيطرة وانفجار واسع النطاق.. تؤشر إلى أنّ مقاومة الشعب الفلسطيني ووحدته في مواجهة الاحتلال نجحت في تحقيق تحوّل نوعي في الصراع مع كيان الاحتلال تجلى في تكريس قواعد جديدة لهذا الصراع على أرض فلسطين المحتلة، وهو الأمر الذي فاقم من مأزق كيان العدو الصهيوني…

Exit mobile version