حسن حردان | كاتب وباحث في الشؤون السياسية
بين انتفاضة المقدسيين في ظلّ رفع الأعلام الفلسطينية في أنحاء المدينة المقدّسة وسمائها، والخطوط الحمراء التي رسمتها المقاومة، سارت مسيرة الأعلام الصهيونية للمستوطنين وسط حماية الآلاف من الجنود وشرطة الاحتلال والمستعربين الذين راحوا يرتكبون أبشع أنواع الممارسات التعسّفية من قمع وإرهاب واعتقال بحقّ الأطفال والنساء والشبان الفلسطينيين… في وقت اشتعلت فيه المواجهات مع قوات الاحتلال في نابلس والخليل وطولكرم وغيرها من مدن وبلدات الضفة الغربية… وسارت المسيرات الفلسطينية في المدن الفلسطينية المحتلة عام 48.
ويمكن القول انّ مشهد الأمس في القدس المحتلة أظهر بوضوح الوقائع التالية:
اولاً، انّ مسيرة المستوطنين رافعي الأعلام «الإسرائيلية» ما كانت لتحصل في القدس المحتلة لولا الحماية العسكرية التي رافقتها والتي حوّلت كلّ شوارع وأزقة المدينة القديمة الى ثكنة عسكرية، مما يؤكد بأنّ المستوطنين لم يكن بإمكانهم القيام بمسيرتهم لولا هذه الحماية الأمنية، لأنهم غرباء عن القدس وأهلها وهم معتدون عليها لا قدرة لهم على البقاء فيها دقيقة واحدة من دون مرافقة وحماية قوات الاحتلال لهم…
ثانياً، أنّ أبناء القدس أثبتوا أنهم حماتها المستعدون دائماً للدفاع عنها وعن مقدساتها، وانّ حشد آلاف الجنود الصهاينة والقمع والاعتقالات لم يمنعهم من الخروج إلى شوارع القدس رافعين الأعلام الفلسطينية، متحدّين قوات الاحتلال، ومؤكدين بأنّ السيادة في المدينة المقدسة إنما هي لأهلها العرب المقدسيين، وليست للمحتلين الصهاينة الطارئين..
ثالثاً، انّ فصائل المقاومة نجحت في تثبيت خطوطها الحمراء التي رسمتها لناحية عدم السماح بأيّ اعتداء او تهديد للمسجد الأقصى، وانّ حكومة العدو اضطرت إلى احترام هذه الخطوط الحمراء لتجنّب اندلاع مواجهة شاملة على غرار ما حصل في العام الماضي، من خلال الحرص على عدم اقتراب مسيرة المستوطنين من المسجد الأقصى والاعتداء عليه…
رابعاً، أنّ رئيس حكومة العدو نفتالي بينيت حقق جزءاً من تطلعات المستوطنين لناحة السماح لهم العبور بمسيرتهم من باب العمود إلى حائط البراق، لكسب تأييدهم في الانتخابات المقبلة ولحماية حكومته المعرّضة في أيّ لحظة للانهيار.. لكنه في الوقت نفسه حاذر الذهاب بعيداً في المسّ بالخطوط الحمراء التي رسمتها المقاومة…
انطلاقاً مما تقدّم، يمكن القول انّ ما حصل أمس في القدس المحتلة أظهر بوضوح انّ ساحة المدينة ليست خالية للمستوطنين وجنود الاحتلال، وانّ الأعلام الفلسطينية طغى حضورها على الأعلام الصهيونية الغريبة، لا بل انّ العلم الفلسطيني كان يرفرف في سماء القدس علامة على انّ السيادة كانت وستبقى له وحده.. وانّ علم الاحتلال إنما هو مؤقت تماماً كما هو الكيان الصهيوني، مصيره الزوال مهما طال الوقت…