كتب حسن حردان | دلالات الردّ الفلسطيني المقاوم السريع على مجزرة جنين وخيارات العدو المسدودة

حسن حردان | كاتب وباحث في الشؤون السياسية

ان يرتكب جيش الاحتلال الصهيوني مجزرة جديدة خلال عدوانه على مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة، فهذا أمر ليس متوقعاً وحسب بل كان شبه محتوم، خصوصاً في ظلّ حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة التي تضمّ عتاة المتطرفين الصهاينة الذين يدعون علانية إلى إباحة قتل الفلسطينيين وسلبهم أراضيهم ومنازلهم ومقدساتهم.. لكن ما كان مفاجئاً للجميع للعدو والصديق على السواء، سرعة الردّ الفلسطيني المقاوم، بعمليتين نوعيتين في القدس المحتلة، الأولى نفذها المقاوم خيري علقم، قرب كنيس يهودي، أدّت إلى مقتل 7 مستوطنين وجرح 17 آخرين، والعملية الثانية نفذها المقاوم محمد عليوات قرب سلوان وأسفرت عن إصابة ضابط صهيوني ومستوطن بجراح بالغة، وذلك رداً على مجزرة العدو في جنين، وهي سرعة لها دلالاتها العديدة من حيث التوقيت والمكان والنتائج:
أولا، من حيث التوقيت، أن يسارع فدائيان في غضون أربعة وعشرين ساعة إلى القيام بعمليتين نوعيتين قرب مستوطنتين صهيونيتين في القدس المحتلة، ودماء مجزرة جنين لا تزال ساخنة، فهذا يدلّ بوضوح عل مدى الجاهزية والاستعداد اللذين بات يتمتع بهما شبان المقاومة وقدرتهم على تنفيذ عملياتهم بالتوقيت الذي يريدون، للقول لحكومة العدو والمستوطنين انّ المقاومة قادرة وقوية وانّ مجزرتكم لم تنجح في كسرها أو إضعافها أو ليّ ذراع مقاوميها…
ثانياً، من حيث المكان، فإنّ اختيار مكانين في القدس المحتلة، قريبين من مستوطنتين صهيونيتين، وفي ذروة الاستنفار العسكري والأمني الصهيوني، إنما يؤشر إلى مستوى القدرة التي بات يمتلكها المقاومون:
1 ـ على صعيد التدريب، حيث أنّ تنفيذ مثل هذه العمليات يتطلب مستوى عالياً من التدريب وامتلاك القدرة على الوصول إلى الهدف، في ظلّ الاستنفار الأمني والعسكري الصهيوني.
2 ـ وعلى صعيد المعلومات، يتطلب تنفيذ مثل هذه العمليات امتلاك المقاومين قدرة على الاستطلاع ومعرفة أدقّ التفاصيل الأمنية بشأن أماكن تواجد قوات الاحتلال وحواجزها الأمنية المنتشرة في كلّ مدينة القدس المحتلة تحسّباً من عمليات المقاومة.
3 ـ كذلك على صعيد النجاح في تنفيذ عملياتهم وتحقيق أهدافها… بما يؤكد مستوى القدرة التي بات يحوز عليها المقاومون الذين ينفذون مثل هذه العمليات، في ذروة الإجراءات الأمنية الصهيونية.. وكذلك مستوى الكفاءة القتالية التي بات يتمتع بها منفذو العمليات من الشباب، وهو الأمر الذي اعترفت به وسائل الإعلام الصهيونية، حيث أشارت «القناة الـ13» الإسرائيلية إلى «احترافية منفّذ العملية» الشهيد خيري علقم (21 عاماً)، لافتة إلى أنّ «منفذ الهجوم أطلق الطلقة وراء الأخرى، وأصاب بصورة دقيقة. وعلى ما يبدو، لديه خبرة في الإصابة»… وما أقلق بشكل أكبر كيان العدو، أنّ الفدائي الفلسطيني الذي نفّذ عملية القدس بدا واضحاً أنه كان خاضعاً لتدريب دقيق حول ضبط النفس واغتنام الفرصة واستخدام المسدس بشكل دقيق».
ثالثاً، من حيث النتائج، فإنّ العمليتين، حققتا جملة من النتائج الهامة:
النتيجة الأولى، تأكيد جديد بأنه مهما أوغل العدوان الصهيوني في ارتكاب الجرائم والمجازر بحق الشعب الفلسطيني، فإنه لن يتمكن من إسكات مقاومته وفرض الاستسلام عليه، بل على العكس تماماً، فإنّ استمرار جرائم الاحتلال يؤدّي الى تأجيج المقاومة المسلحة، وانضمام المزيد من الشبان إلى صفوفها، للدفاع عن شعبهم وكرامتهم وحقهم في وطنهم، ولهذا فإنّ الردّ المقاوم جاء سريعاً وقوياً، فور ارتكاب العدو مجزرته في مخيم جنين..
النتيجة الثانية، توجيه ضربة موجعة للمنظومة الأمنية والعسكرية الصهيونية، وكشف عجزها وعدم قدرتها على حماية أمن الكيان، مما ولد إحباطاً صهيونياً وشعوراً غير مسبوق بالعجز، واعتراف الخبراء والمحللين الصهاينة باستحالة وقف العمليات الفردية.. وفي هذا السياق ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية،» أنّ نتائج العملية (الاولى) في القدس فظيعة وقاسية».
وأشارت القناة 13 الإسرائيلية إلى «أنّ هجوم القدس (الاول) تم تنفيذه من تحت أنف الشاباك في القدس»، لأنّ العملية وجهت للجهاز الأمني الإسرائيلي ضربة مزدوجة.. ضربة لأحلام ورهانات حكومة المتطرفين الصهاينة على فرض الأمن عبر ارتكاب المزيد من المجازر.. ومن جهة ثانية كشفت مستوى عجز منظومة الأمن الصهيونية في القدرة على منع العمليات، مهما امتلكت من قدرات واتخذت من إجراءات.
النتيجة الثالثة، اهتزاز حكومة نتنياهو، واندفاع وزرائها للتنافس في إطلاق المواقف وتقديم الاقتراحات لاتخاذ إجراءات انتقامية من الفلسطينيين، والتي شملت، الدعوة لهدم منازل منفذي العمليات فوراً، وطرد عائلات منفذي العمليات من القدس إلى الضفة الغربية، وزيادة منسوب الاستيطان وتشديد الإجراءات الأمنية حول الأحياء والمخيمات الفلسطينية، وزيادة تسليح المستوطنين، وحشد قوات اضافية إلى القدس والضفة، استعداداً لتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية والأمنية، تشمل اجتياح مدن ومخيمات وبلدات، وتوسعة دائرة الاعتقالات، والدعوة إلى إقرار الإعدام بحق الأسرى إلخ… وهذه كلها إجراءات عقاب جماعي ليست جديدة وهي أصلاً معتمدة ويجري اتخاذها اثر كلّ عملية فدائية، وإنما تؤشر إلى أنّ حكومة نتنياهو ليس لديها من جديد سوى الاتجاه إلى مزيد من التصعيد، وهذا يعني أنّ الوضع يتجه نحو التدهور والانفجار الواسع لأنّ مثل هذا التصعيد الصهيوني لن يقود إلا الى تصعيد في المقاومة والمواجهات الشعبية مع قوات الاحتلال، وقد يؤدي إلى اندلاع انتفاضة جديدة شعبية مسلحة، هي مزيج من الانتفاضتين الأولى والثانية.. كما قد يؤدي إلى عودة دخول المقاومة في قطاع غزة على خط المواجهة وبالتالي خوض معركة جديدة في سياق تأكيد وحدة الساحات والصراع المستمر بين المقاومة والاحتلال.. لن تكون نتائجها بعيدة عما آلت اليه المعارك والمواجهات السابقة من فشل العدو في تحقيق أهدافه في النيل من المقاومة والصمود الفلسطيني، وبالتالي نجاح المقاومة مجدداً في تكريس معادلة توازن الرعب والردع ..
النتيجة الرابعة، تأكيد جديد باستحالة طمس او تصفية قضية فلسطين، خصوصاً في ظلّ إصرار الشعب الفلسطيني على رفض الاستسلام ومواصلة الصمود والمقاومة، الشعبية والمسلحة، وبالتالي فإنّ الصهاينة لن ينعموا بالأمن والاستقرار طالما أنّ الشعب الفلسطيني ظلّ يعاني من الاحتلال واستمرار عمليات القمع والإرهاب والاعتقالات وهدم المنازل والاستيطان والتنكيل الصهيوني، وطالما أنه لم يحصل على حقوقه كاملة في وطنه.. أما إذا اعتقد عتاة المتطرفين الصهاينة انهم يستطيعون طرد الفلسطينيين ثانية من أرضهم وتهجيرهم خارج فلسطين فإنّ ذلك أيضاً تأكد انه حلم صهيوني لن يتحقق، لأنّ الشعب الفلسطيني تعلم الدرس من النكبة الأولى، والأجيال الجديدة منه التي نشأت بعد اتفاق أوسلو باتت أكثر وعياً وإدراكاً بأنّ الاحتلال لا تنفع معه سوى لغة القوة ولهذا يتجهون نحو انتهاج طريق المقاومة المسلحة.. وهذا يعني أنّ الصراع سوف يستمر إلى أن يتمكن الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه بالتحرّر من الاحتلال والتخلص من المستوطنين المستعمرين الذين تمّ جلبهم من دول عديدة وتمكينهم من الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وبناء المستعمرات عليها.. وهذا يعني أنّ خيارات الاحتلال مسدودة، فلا هو ناضج لتسويات حقيقية، ولا هو قادر على القضاء على المقاومة وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، ولا هو يستطيع تكرار نكبة ثانية، ولا هو قادر على إجبار الفلسطينيين على العيش في أرضهم، تحت حكم احتلال عنصري يسلبهم حقوقهم.. وبالتالي كلما وصل العدو إلى طريق مسدود في الخيارات التي يلجأ إليها كلما ارتدّ ذلك بمفاقمة أزماته الداخلية وزيادة حدة الانقسام والصراع بين مكونات الكيان الصهيوني…

Exit mobile version