حسن حردان | كاتب وباحث سياسي
عملية فدائية جديدة قام بها بطل من أبطال فلسطين الشهيد رعد حازم، في قلب أكبر مجمع استيطاني يشكل الثقل الاقتصادي ومركز الكيان الصهيوني، عملية هزّت الكيان وأسقطت هيبته ومنظومته الأمنية… وجعلت حكومة العدو في مهب الريح.. ودفعت القوات الخاصة الصهيونية للنزول إلى الميدان لمواجهة فدائي واحد نجح في تحويل تل أبيب إلى ساحة حرب وفوضى…
بعد فشل أكثر من ألف شرطيّ تولوا البحث عن الفدائي الذي نجح في تنفيذ عمليته بقتل ثلاثة مستوطنين وجرح 14 بواسطة مسدس والتواري عن الأنظار لمدة 9 ساعات وفي نهاية المطاف اشتبك مع جنود الاحتلال قرب مسجد في يافا واستُشهد…
هذه العملية التي وقعت كالصاعقة على رؤوس المسؤولين الصهاينة والمستوطنين، عكست جملة من الدلالات الهامة التالية:
الدلالة الأولى، عجز الإجراءات الأمنية الصهيونية عن منع العمليات الفدائية في قلب الكيان، وهو الأمر الذي جعل المستوطنين يفقدون الثقة بقدرة أجهزتهم الأمنية على حمايتهم وتوفير الأمن والاستقرار لهم.. لقد كشف تواتر العمليات الفدائية في المناطق المحتلة عام 1948 أنّ هذه الأجهزة لا تملك ايّ معلومات أمنية تنذر بحصول مثل هذه العمليات، وتبيّن انّ هذه الأجهزة كانت تتوقع حدوث عمليات في القدس والضفة الغربية المحتلتين، ولهذا فوجئت وصدمت بحدوث العمليات في العمق الصهيونيّ، وأصيبت بالارتباك نتيجة فشلها الأمني…
الدلالة الثانية، إضافة الى الفشل والعجز الأمني الصهيوني، ظهر جلياً حجم هشاشة الكيان وعدم كفاءة قوات شرطته المدرّبة على مواجهة العمليات الفدائية، مما اضطرها إلى الاستعانة بوحدات خاصة من جيش الاحتلال، والتي بدورها أخفقت على مدى تسع ساعات من الليل في العثور على الفدائي منفذ العملية رعد حازم، الذي نجح في قطع مسافة طويلة وصولاً الى مدينة يافا المحتلة، متجاوزاً كلّ الحواجز الصهيونية التي انتشرت كالفطر في الطرقات والشوارع.. وعندما عرف الشاباك بمكان بوجود الفدائي رعد قرب مسجد في يافا لم يتمكن من اعتقاله، لأنّ الشهيد البطل سارع إلى فتح النار على جنود الاحتلال في المنطقة مواصلاً عمليته، قبل أن يسقط شهيداً برصاصهم..
الدلالة الثالثة، أثبت الفدائي رعد للمستوطنين الصهاينة بأنهم لا يستطيعون العيش على أرض فلسطين وينعمون بالأمن والاستقرار على حساب حقوق الشعب الفلسطينيّ في أرضه ووطنه، وأنّ جيشهم وشرطتهم وأجهزتهم الأمنية لا تستطيع حمايتهم من رصاص الفدائيين الفلسطينيين من أبناء فلسطين الذين يرفضون العيش بذلّ وهوان تحت الاحتلال، وقرّروا مواصلة الكفاح لتحرير أرضهم واستعادة حقوقهم المسلوبة منذ أكثر من سبعة عقود على احتلال أرضهم…
الدلالة الرابعة، برهن شباب فلسطين أنّ كلّ إجراءات القمع والإرهاب والتنكيل والاعتقالات الصهيونية لا يمكنها أن تمنعهم من مواصلة عمليّاتهم الفدائيّة، وأنهم يملكون الإرادة والإصرار والتصميم على مواصلة المقاومة جيلاً بعد جيل حتى تحرير فلسطين كلّ فلسطين، وانّ الاحتلال كلما زاد من ممارساته المتوحشة وارتكب الجرائم ضدّ الشعب الفلسطيني، فإنه يزيد في الوقت نفسه من تأجج مقاومة شباب فلسطين…
الدلالة الخامسة، أثبتت العمليات الفدائية الأخيرة انّ محاولات طمس القضية الفلسطينية وتجاهلها، والقفز فوقها من خلال إقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني، وعقد اللقاءات التطبيعية مع المسؤولين الصهاينة، لن تنجح في تحقيق أهداف الصهاينة في شطب وتصفية قضية فلسطين…
إنّ العملية الفدائية الجديدة وما سبقها، أو سيتبعها من عمليات هي التي تبقي القضية حية وفي صدارة الأحداث، وتحبط كلّ المؤامرات والمخططات الصهيونية الأميركية والرجعية لتصفية قضية فلسطين.. وواهم مَن يعتقد أنه يستطيع إلغاء هذه الحقيقة، طالما هناك شعب حيّ يعيش على أرضه ويرفض الخنوع والاستسلام، وطالما انّ أبناء فلسطين جيلاً بعد جيل، يتربّون على حب فلسطين والاستعداد للمقاومة والشهادة في سبيل تحريرها…