حسن حردان | كاتب وباحث سياسي
يحتار اللبنانيون هذه الأيام في تفسير الأسباب التي تحول دون خروجهم من عنق الأزمة المستمرة والتي ادّت إلى انهيار مالي واقتصادي وتدهور خطيرة في قدرتهم الشرائية.. ثمة من يرى انّ السبب الأساسي إنما لا يزال يكمن في التدخل الخارجي الذي يضغط على القوى السياسية الداخلية ويعطل الحلول ريثما تنضج التسويات الإقليمية.. وهناك من يرى انّ هذا التدخل الخارجي الذي كان وراء تفجير الأزمة المستفحلة في الداخل نتيجة سياسات الطبقة السياسية المالية والاقتصادية المتوحشة والتي ادّت إلى إفلاس البلاد وتفشي الفساد على نطاق واسع..
كلّ ذلك صحيح، لكن اليوم لم يعد هو السبب الخارجي هو الذي يعيق الحلّ السياسي ويحول دون وضع حدّ للصراعات المحتدمة..
فقبل الدخول الأميركي الفرنسي على خط الضغط لتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لم تكن العقدة التي تقف عقبة أمام الحلول السياسية للازمات في لبنان داخلية بحتة، بل كانت في قسمها الأساسي مرتبطة بالفيتو الأميركي الذي كان يحول دون تشكيل حكومة وفق التوازنات المحلية التي يعكسها البرلمان اللبناني.. أما اليوم فإن العقدة الأساسية باتت مرتبطة بتفاقم الصراعات بين أطراف اساسية في السلطة، من دون التوافق في ما بينها يصعب انتظام عمل المؤسسات التي تعنى باتخاذ القرارات الضرورية للحد من الازمات المستفحلة..
ويبدو من خلال تفحص الأسباب الجوهرية لهذه الصراعات يمكن حصرها بثلاثة اسباب:
السبب الاول، سعي قسم كبير من الأطراف السياسية لأجل تحقيق مكاسب فئوية تعزز نفوذها في السلطة السياسية عبر المراهنة على كسب اكبر عدد من المقاعد في البرلمان في الانتخابات النيابية المقبلة والتي يجري على اساس نتائجها إعادة تشكيل السلطة بكل مكوناتها التشريعية والتنفيذية..
السبب الثاني، إصرار بعض القوى على الاستقواء بالتدخل الخارجي لتحقيق مصالحها السياسية، حتى ولو أدّى ذلك إلى خراب البلاد والمزيد من الانهيار على كلّ المستويات المالية والاقتصادية والخدماتية والاجتماعية..
السبب الثالث، الانقسام السياسي الحاد حول هوية لبنان وموقعه من الصراع مع العدو الصهيوني وقوى الاستعمار الغربي.. ففي مقابل قوى سياسية تجاهر في عدائها للمقاومة، وتدعو إلى نزع سلاحها، وتعلن انحيازها إلى جانب قوى الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة، لتحقيق ذلك، وتسعى لأن تجعل من لبنان تابعاً بالكامل للمنظومة الغربية.. مقابل هذا الاتجاه هناك قوى سياسية تعلن بقوة التمسك بالمقاومة المسلحة لمواجهة العدو الصهيوني، وترفض الهيمنة الاستعمارية الغربية وتعمل على تحرير لبنان منها..
هذا الصراع بين الاتجاهين إنما تعود جذوره إلى مرحلة ما قبل ولادة الكيان اللبناني، وتعمّق بعد أن نجح المستعمر الفرنسي في زرع بذور الطائفية والمذهبية في هذا الكيان ودستوره لمنع لبنان من الاستقرار بعيداً عن التبعية لسياساته الاستعمارية التي تجعل من لبنان قاعدة ومرتكزاً لتنفيذ مخططاته في المنطقة وتحقيق أهداف الكيان الصهيوني في تصفية قضية فلسطين والتسيّد على المنطقة.. على انّ هذا الصراع اشتدّ بعد تنامي قوة التيار العربي المقاوم لا سيما بعد نجاح المقاومة المسلحة في إلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال الصهيوني عام 2000 وتحرير معظم الأراضي اللبنانية التي كان يحتلها، بلا قيد ولا شرط، ومن ثم نجاح المقاومة في تحقيق النصر التاريخي والاستراتيجي على العدوان الصهيوني عام 2006 وإحباط أهدافه العسكرية والسياسية، وخروج المقاومة من الحرب اكثر قوة.. مما زاد من قدرتها على حماية لبنان من التهديدات والأطماع الصهيونية.. مما جعل قادة العدو في حالة قلق دائم من هذه المقاومة، والبحث عن سبل القضاء عليها عبر حياكة المؤامرات ضدّها بالتعاون مع الدول الغربية الاستعمارية بقيادة أميركا التي تتولى دعم وتوفير الحماية للكيان الصهيوني..
من هنا يمكن القول، إنّ ما يعانيه لبنان من عدم استقرار وصراع مستمرين، وأزمات إنما سببه وجود قوى سياسية طائفية معادية للمقاومة وتعمل لخدمة السياسات الغربية على حساب مصلحة لبنان..
البناء