حسن حردان | كاتب وباحث في الشؤون السياسية
يشكل استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية محطة هامة لإعادة انتظام عمل مؤسسات الدولة، لا سيما مؤسسة مجلس الوزراء الذي تحوّل بعد اتفاق الطائف، (الذي أصبح دستور البلاد)، ليكون هو السلطة التنفيذية الفعلية التي تتخذ القرارات المعنية بادارة عمل مؤسسات الدولة والشؤون السياسية والمالية والاقتصادية والخدماتية وحياة المواطنين على المستويات كافة، مما جعل من مجلس الوزراء مجتمعاً صاحب القرار.. ومن دون انتخاب رئيس للبلاد لا يمكن تكليف رئيس جديد لتشكل حكومة جديدة، وستبقى الحكومة الحالية المستقيلة تصرّف الأعمال بالحدود الضيقة، ما يعني أنها لن تكون قادرة على الاجتماع واتخاذ القرارات التي تعنى بكلّ القضايا المذكورة آنفاً، ولهذا فإنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضرورة وحاجة ملحة لا تحتمل التأجيل..
لكن من المعروف انّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية طالما كان مثار صراع بين الأطراف اللبنانية حول هويته، هل يتمتع باستقلالية عن التدخلات الخارجية، وله موقف واضح من الصراع مع العدو الصهيوني، ويؤيد المقاومة ضد الاحتلال، وغير معاد للشقيقة سورية ويدعم العلاقات المميّزة معها، كما نص دستور الطائف، ام انه سيكون رئيساً خاضعاً وتابعاً للإملاءات الخارجية الأميركية والغربية وقابل للبيع والشراء.. وبالتالي يقف ضد المقاومة والعلاقات الأخوية مع سورية..
بعد انسحاب القوات العربية السورية من لبنان جهدت واشنطن والعواصم الغربية، عبر الأطراف التابعة لها في لبنان، لأجل إزاحة الرئيس العماد إميل لحود عن قصر بعبدا بإجباره على الاستقالة لكونه غير قابل للإخضاع او التخلي عن موقفه الداعم للمقاومة، لكنها فشلت وأكمل الرئيس لحود ولايته حتى آخر يوم، ولعب دوراً مهماً في حماية ظهر المقاومة، وكان شريكاً لها في تحقيق انتصاراتها وحماية هذه الانتصارات من محاولات إجهاضها، ويرفض تحويل لبنان إلى خنجر مسموم في خاصرة سورية، وحريص على العلاقات الأخوة معها…
لكن بعد ذلك تمّ انتخاب الرئيس ميشال سليمان على أساس انه سيمثل نهجاً توافقياً بين جميع اللبنانيين، ولا يطعن المقاومة بظهرها، غير انّ ذلك لم يتحقق فسرعان ما تبيّن أنه انحاز إلى جانب قوى 14 آذار وتوجهاتها المعادية للمقاومة والعلاقات مع سورية، وهو ما ترجمه من خلال وصفه المعادلة الذهبية “الجيش، والشعب والمقاومة” بـ “المعادلة الخشبية”…!
لذلك بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان، قرّرت المقاومة والفريق الوطني وضع فيتو على انتخاب ايّ رئيس ليس واضحاً في هويته ومواقفه من المقاومة وسورية، وترجمت قرارها هذا في تبني ترشيح وانتخاب الرئيس ميشال عون الذي عرف باستقلاليته، ومواقفه في دعم المقاومة خلال حرب تموز.. ورغم كلّ الضغوط الخارجية التي مورست لمنع انتخاب الرئيس عون، فإنّ المقاومة وحلفاءها أصرّوا على عدم القبول بانتخاب ايّ رئيس غير العماد ميشال عون، وهو ما حصل.. وقد عكس ذلك تحوّلاً جديداً يتمّ لأول مرة بإرادة وطنية لبنانية مستقلة وضعت حداً لتدخلات الخارج في اختيار وفرض رئيس للبنانيين على هواه.. واليوم نقف أمام استحقاق انتخاب رئيس جديد، بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، وأمام نفس المهمة التي تواجه المقاومة وحلفاءها، وهي انتخاب رئيس صناعة لبنانية، معروف بهويته ووطنيته ودعمه للمقاومة والعلاقات المميّزة مع سورية، واستقلاليته وعدم استعداده للخضوع للإملاءات الخارجية.. ومن الواضح أنّ قرار المقاومة وحلفاءها قد تجسّد بوضوح في الشروط التي أعلنها أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، وتتجسّد بانتخاب رئيس يطمئن المقاومة ولا يطعنها بظهرها، ولا يخضع للضغوط الخارجية ولا يُباع او يُشترى، وهذا يعني أنّ على الفريق الأميركي ان يعرف سلفاً أنه مهما طال الوقت لن يكون هناك رئيس لا يحمل هذه الصفات، وانّ الزمن الذي كان يجري فيه انتخاب رئيس يتماشى مع الإرادات الخارجية قد ولى، لأنّ هناك ارادة وطنية لبنانية لها حضورها وتمثيلها الواسع لن تسمح بأن يحصل ذلك، تماماً كما حصل مع انتخاب الرئيس عون، رغماً عن الضغوط الخارجية، ولهذا لن يكون هناك انتخاب رئيس جديد إذا لم يكن واضح الهوية والانتماء، لا يباع ولا يشترى، ولا يطعن المقاومة بظهرها، ولا يعادي الشقيقة سورية، الرئة التي يتنفس منها لبنان.. لا سيما أنّ المقاومة ومعادلاتها الردعية، والمسنودة بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، والموقف الرسمي الوطني، قد نجحت للتو بتحقيق انتصار جديد تمثل في انتزاع حقوق لبنان في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية من دون تقديم ايّ تنازلات، لا بالشكل ولا بالمضمون، للعدو الصهيوني وراعيته الولايات المتحدة الأميركية.. ففي ظلّ عصر المقاومة وانتصاراتها لم يعد بإمكان أميركا والغرب والقوى التابعة لهم الإتيان برئيس معاد للمقاومة ويدعو إلى نزع سلاحها خدمة للعدو “الإسرائيلي”.. لهذا المطلوب رئيس صناعة لبنانية ويعبّر عن الإرادة الوطنية المستقلة المتحرّرة من الهيمنة الأجنبية والداعمة للمقاومة ومعادلتها الذهبية التي حرّرت الأرض وتحمي لبنان من الاعتداءات والأطماع الصهيونية.