حسان الحسن | كاتب واعلامي لبناني
يبدو جليًا أن مسألة تشكيل الحكومة باتت خارج مدار البحث الجدي والمجدي، وسط استمرار التباين في الآراء بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكّلف، العماد ميشال عون ونجيب ميقاتي على عملية التشكيل المأمولة، وشكل الحكومة المرتقبة، وتوزيع الحقائب على القوى المشاركة في الحكومة المنتظرة، علّ أن تسهم ولادتها في تخفيف الأعباء الاقتصادية والمعيشية الثقيلة وغير المسبوقة في تاريخ البلد الحديث، التي يرزح تحتها الشعب اللبناني المقيم في قلب المعاناة. على أن تتابع الحكومة الجديدة، إذا قدّر لها الولادة، التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وسواه من الجهات الدولية المانحة و المقرضة، للبدء في عملية الحد من الانهيار المالي التام للدولة اللبنانية، لما لذلك من نتائج كارثية، ستزيد في حياة اللبنانيين فقرًا وإذلالًا، إذا لم يسارع المعنيون الى تدارك الأمر، وتركيز جهودهم الفاعلة، لإيجاد مصادر تمويل للخزينة اللبنانية، وفي مقدمها إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية مع “إسرائيل”، للبدء في عملية التنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه اللبنانية، وبذلك يتجه لبنان نحو مسار الدول النفطية، في حال تم التوصل الى اتفاق “الترسيم” المرتجى.
ووسط هذه الأجواء، (أي انعدم الأمل في عملية تأليف الحكومة)، تقدم البحث جديًا في الانتخابات الرئاسية على سواها، خصوصًا مع اقتراب موعد انعقاد المجلس النيابي، كهيئةٍ ناخبةٍ، مهمتها الوحيدة، تأمين انتخاب رئيسٍ عـتيدٍ للجمهورية، بدءًا من الأول من أيلول المقبل. وفي هذا الصدد، لاريب أن حزب الله لايزال قوةً وازنةً وفعالةً في الانتخابات الرئاسية، إن لم نقل الأفعل، وبدا هذا بوضوح في انتخابات هيئة مجلس النواب، ونيابة رئيس البرلمان.
وفي الشأن الرئاسي أيضًا، من البديهي أن تكون عاطفة “الحزب” مع حليفيه رئيسي التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وتيار المرده سليمان فرنجية، ولكن حتى الساعة لم يفصح “الحزب” عن أسم المرشح الرئاسي الذي قد يتبنى ترشيحه في انتظار تبلور موقف حلفائه من هذه الإنتخابات، وفي مقدمها باسيل وفرنجية، وإمكان توافقهما على السير بمرشحٍ واحدٍ نحو قصر بعبدا. فهل يكرر حزب الله تجربة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهل تصح مقاربة الأوضاع الداخلية والإقليمية في العام 2016 عينها في المرحلة الراهنة؟. خصوصًا في ضوء الأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان، والبرودة التي تشهدها علاقاته مع الدول العربية، تحديدًا الخليجية، ما أسهم أيضًا في تفاقم هذه الأزمة، بعد شبه توقف تحويل الأموال الخليجية الى المصارف اللبنانية والمساعدات المالية الى لبنان، التي كانت تسهم في تعزيز الاقتصاد اللبناني والوضع المعيشي للبنانيين من جهة. كذلك، من جهة ثانية، لناحية الأوضاع الإقليمية، تحديدًا الوضع الميداني في سورية في العام 2016، يوم كانت مدينتي حلب ودمشق شبه محاصرتين من المجموعات المسلحة، ما دفع حزب الله الى تبني مرشح مواجهة في الانتخابات الرئاسية اللبنانية، خصوصًا بعد استعادة الجيش السوري وحلفائه وفي مقدمهم حزب الله لمدينة حلب في أواخر صيف 2016.
وفي المرحلة الراهنة، من البديهي أيضًا، ألا يعلن “الحزب” عن توجهه في الانتخابات الرئاسية، بعد تصميم بعض ما تبقى من فريق 14 آذار والنواب التغييريين على مواجهته في هذه الانتخابات، بحسب ما أعلن ممثلو هؤلاء. كذلك بعد تمسّك البطريرك الماروني مار بشارة الراعي بمرشحٍ لرئاسة الجمهورية، “غير منحازٍ لمحور”، على حد تعبيره.
وقد تكون حقيقة التوجه المذكور، محصورةً بين أعضاء شورى حزب الله وحدهم، دون سواهم، والمنطقي ألا يفصحوا عنها، قبل “لملمة” حلفائهم، وجلاء الأوضاع الإقليمية. وفي هذا السياق، يؤكد خبراء سياسيون أن الأولوية لدى حزب الله راهناً، هي ضبط الأمن المعيشي والتخفيف من وطأة الحصار المفروض على لبنان، بعد نجاح المقاومة بالتعاون مع الجيش اللبناني بضبط الأمن الميداني، إثر تطهير جرود سلسلة الجبال الشرقية من الإرهابيين في صيف العام 2017. لذا يستبعد الخبراء تبني الحزب “مرشح مواجهة” في الظروف الراهنة. ويلفت الخبراء عينهم الى أن “الحزب” سيبذل قصارى جهوده للحدّ من الحرب الاقتصادية المفروضة على لبنان، وإنقاذ الشعب اللبناني على حد قوله.
وتعليقًا على ما ورد آنفًا، تقول مصادر سياسية متابعة للمباحثات المتعلقة بالشأن الرئاسية: “يبدو أن بعض المرشحين و “المرشحة”، كمثل الذين ينامون في الطاحون، يسمعون الجعجعة، ولكن لا يرون طحيناً”، تختم المصادر.
وفي المحصلة، يرجّح مرجع سياسي قريب من فريق الثامن من آذار أن حزب الله قد يكون في الانتخابات الرئاسية “قوة ترجيح لا قوة ترشيح” على حد قوله. ويؤكد أن “الحزب” لن يعلن عن دعم مرشح محدد راهنًا، في انتظار بلورة المواقف الداخلية من الشأن الرئاسي، وجلاء الأوضاع الإقليمية التي قد تؤثر في الأوضاع اللبنانية، كعودة العلاقات العربية- السورية الى ما كانت عليه قبل العام 2011، وإعادة تفعيل الاتفاق النووي الإيراني، وسواهما من القضايا العالقة في المنطقة.