جوني منيّر | كاتب وصحافي لبناني
ليس من المبالغة أبداً وصف المشهد بالفوضى العارمة، ليس فقط في لبنان بل في كل المنطقة المحيطة به وجاء الزلزال ليُضاعف من حجمها.
وعلى رغم مراعاة واشنطن الدائمة لإسرائيل، الا انها وجدت نفسها هذه المرة مضطرة لإعلان إدانتها لما وصفته بأعمال العنف العشوائية والواسعة النطاق وغير المقبولة التي يرتكبها المستوطنون الاسرائيليون في المناطق الفلسطينية، كما جاء في بيان المكتب الاميركي للشؤون الفلسطينية في القدس.
وليس خافياً على أحد رغبة المتطرفين داخل الحكومة بضَم اراضي الضفة الغربية وطرد الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات الاسرائيلية. ففي الواقع النزاع الحاصل هو بين من يريد دولة يهودية كاملة وإنكار اي وجود او أثر للفلسطينيين ولو بنحوٍ رمزي، وبين من يريد حلا سلميا قائما على مبدأ الدولتين، ولا يمكن أي عاقل الا ان يتوقع الأسوأ بالنسبة الى النزاع الحاصل.
فالمؤسسات الامنية اللبنانية، والتي ما تزال وحدها موجودة وتعمل خلافاً لبقية مؤسسات الدولة التي تفككت، تُبدي خوفها من الفوضى الاجتماعية والتي تتصاعد وتيرتها بسرعة. صحيح ان هذه المؤسسات الامنية لم تلمس وجود اي استهدافات او مخططات امنية خارجية تستهدف لبنان، الا انّ تحلّل مؤسسات الدولة اللبنانية والانهيار المعيشي المُتسارع على وقع التراجع الهائل للعملة اللبنانية وبالتالي القدرة الشرائية، كلّ ذلك يدفع الى الخشية من تفلّت الشارع على مستوى اخطر مما هو حاصل حالياً. وفي اختصار فإنّ الاوضاع وصلت الى مرحلة اصبح فيها الامن الاجتماعي في خطر حقيقي.
لكن هنالك من يعتقد انّ الدمار الحاصل على مستوى هيكل الدولة اللبنانية هو دمار مطلوب من اجل الشروع لاحقاً في بناء دولة جديدة بمؤسسات وفق المعايير العلمية، ذلك ان ذهنية «الزبائنية السياسية» التي امتهنتها الطبقة السياسية اللبنانية على مرّ التاريخ، والتي بالغت في انتهاجها خلال السنوات الماضية، كان من المنطقي ان تؤدي في نهاية الامر الى هدم كل هيكل الدولة، ومن الجذور.
ومع اندفاع الوضع في اتجاه الهاوية الاقتصادية والمعيشية خلال السنوات الماضية، كان واضحاً انّ ثمة مشاريع سياسية كانت تقف خلف المشهد الفوضوي بهدف استبدال المعادلة القائمة بأخرى مختلفة.
فما بين عامَي 2016 تاريخ دخول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا و2018 تاريخ الانتخابات النيابية وفق القانون الجديد، وهو ما أدى الى غالبية نيابية وازنة لـ»حزب الله» وحلفائه، كانت المواقف تصدر من ايران حول وصول نفوذها الى شاطئ البحر الابيض المتوسط. او بتعبير سياسي، اكتمال الهلال الشيعي من ايران. مروراً بالعراق فدمشق التي كانت تعيش تحوّل الحرب لمصلحة النظام فيها وانتهاء بلبنان وإمساك «حزب الله» وحلفائه بمفاصل السلطة. ولكن مع الانهيارات المعيشية التي بدأت، تصاعدت الاتهامات بأنّ ما يحصل إنما يهدف الى اسقاط المعادلة السياسية التي نشأت منذ العام 2016 وساد الكلام يومها عن أنه اذا كان المطلوب تعديل المعادلة القائمة من خلال الفوضى الاجتماعية، فإنّ اول من سيصرخ من الوجع هم حلفاء الولايات المتحدة الاميركية لا حلفاء ايران. والمقصود هنا أنّ القطاع الخاص، والذي تتركّز قوته في العاصمة بيروت وعلى الساحل، سيكون اول من يدفع الثمن. اما البيئات الاخرى فهي قادرة على الصمود لفترات أطول. وبالفعل انهارت معظم مجالات القطاع الخاص من مصرفية الى تربوية واعلامية وطبية وغيرها… لكن سرعان ما استعاد القطاع الخاص أنفاسه ليتأقلم مع الواقع الجديد ويبتكر أساليبه التي سمحت له بالتقاط أنفاسه.
والسؤال الأهم يبقى: ولكن ماذا بعد؟ وهل فعلاً وصلنا الى اللحظة التي اقتنع فيها الجميع بوجوب اعادة رسم المعادلة الجديدة التي ستُظلل المستقبل؟ أم ان الطبخة ما تزال في حاجة الى مزيد من النار؟
وعلى اهمية العواصم المشتركة، الا انّ الجواب تمسك به عاصمة وحيدة هي واشنطن.
وفي المقلب اللبناني، فإنّ الطرف الوحيد المعني والقادر على المساعدة في بناء المعادلة الجديدة هو «حزب الله». وثمة من يعتقد ان لعبة عض الاصابع شارفت على النهاية ربطاً بالمستجدات الاقليمية وتماشياً مع تفاقم حال الفوصى الاجتماعية والنتائج التي تمخّضت عنها حتى الآن.
صحيح انّ الامن بعنوانه العريض ما يزال مقبولاً قياساً الى الواقع المعيشي، بسبب نجاح الجيش اللبناني في الحفاظ على تماسكه وفعالية حركته والتي تتظلّل به مختلف الاجهزة الامنية، لكن حال الفوضى باتت كبيرة وسط مخاطر اقليمية وخصوصا على مستوى الساحات المجاورة حيث جنون الحكومة الاسرائيلية.
غالب الظن انّ الانفجار الاجتماعي الكامل لم يعد بعيداً جداً، ما يستوجب سياسة اكثر واقعية لدى كل الاطراف المعنية.