تحسين الحلبي | كاتب وباحث فلسطيني
في تحليله لأشكال الحروب والتدخل العسكري الأميركي في دول العالم، يكشف داغ باندو المساعد الخاص للرئيس الأميركي الأسبق دونالد ريغان، ومؤلف كتاب «الحماقات الخارجية.. إمبراطورية أميركا العلمية الجديدة»، عن الصورة الحقيقية الملموسة للسياسة الخارجية الأميركية التي تقوض كل ما تعلنه وتزعمه في خطاباتها الإعلامية وعلاقاتها الدولية، ويوضح أن السياسة الخارجية الأميركية كما عهدناها، تقوم على «فرض الإرادة الأميركية بكل الأشكال الممكنة على الدول التي تهتم بمصالحها فيها، وهذا ما تقوم به الآن ضد كوبا وفنزويلا ودول كثيرة تناهض سياساتها أو تتحالف مع المناهضين لسياساتها».
يوضح السجل التاريخي للسياسة الخارجية الأميركية أنها احتلت فيتنام وكمبوديا ولاوس في الستينيات، لكي توقف الصين الشعبية عن عقد التحالفات مع الدول الآسيوية، وشنت الحرب على كوريا عام 1953 لبسط سيطرتها، فقسمتها، وشنت حروباً وتدخلت عسكرياً واستخباراتياً في معظم دول أميركا اللاتينية القريبة والبعيدة عن حدودها، واحتلت العراق وأفغانستان بحجة حماية أمنها القومي، ويكشف مركز أبحاث «كارنيجي ميلون ستادي فاوند» أن «الولايات المتحدة تدخلت في 81 دولة في العالم منذ عام 1946 حتى عام 2000»، وثمة من يتساءل في أعقاب المخطط الأطلسي الأميركي لضم أوكرانيا للحلف وفرض السياسة الأميركية المعادية لروسيا على الشعب الأوكراني، عما إذا كانت الولايات المتحدة ستقبل أن تعلن المكسيك أو كندا المحاذيتان للحدود مع الولايات المتحدة انضمامهما لمنظمة «معاهدة الأمن الجماعية» التي أسستها موسكو وضمت إلى عضويتها عدداً من الدول الصديقة والمجاورة؟
لا شك أن واشنطن ستعد مثل هذا السيناريو: إعلان حرب مباشرة عليها من روسيا وهاتين الدولتين كندا والمكسيك لو افترضنا أنهما أصبحتا عضوين في تلك المعاهدة، وفي واقع الأمر شاهد العالم كله ما حصل بين موسكو وواشنطن عام 1962 في أزمة صواريخ كوبا وتزايد المخاوف باندلاع حرب نووية إذا أصرت موسكو على نشر قواعد صواريخ قرب حدود الولايات المتحدة.
ولذلك كانت روسيا ترقب وترى أن الولايات المتحدة ودولاً غربية كانت تقوم منذ الانقلاب الذي فرضته واشنطن عام 2014 على أوكرانيا، ونصبت حكومة جديدة متعاملة معها وحولتها إلى سلطة معادية لروسيا بهدف تطويق حدودها وتعريض أمنها الإستراتيجي لأفدح الأخطار من الغرب والحلف الأطلسي، وخاصة حين قرر الحلف ضم أوكرانيا إليه وهو أحد أهم الأسباب التي دفعت روسيا بعد إخفاق الجهود الدبلوماسية في وضع الحل المناسب إلى اللجوء للعمل العسكري في 24 شباط الماضي.
ويبدو في هذه الأوقات أن واشنطن والغرب لم يميلا إلى السير في الحلول الدبلوماسية بل يقومان بتصعيد واضح ومباشر ينذر بحرب عالمية ثالثة، تكون ساحتها أوروبا وقد تتسع لتشمل القارات الأخرى، فقد تداولت وسائل الإعلام الأميركية أول أمس أنباء تشير إلى وجود «خطة لإرسال طائرات حربية أميركية للجيش الأوكراني لكي يستخدمها ضد الجيش الروسي وفي مناطق دونيتسك وغانسك اللتين يديرهما المواطنون الأوكرانيون من أصول روسية من ناحية اللغة والقومية، ويرى المحللون وعدد من السياسيين في أوروبا أن هذا الإجراء ستعده روسيا مشاركة مباشرة وفعلية بالحرب ضد روسيا وستتعامل القيادة الروسية معه بالقوة العسكرية المباشرة، فتتحول الحرب إلى حرب عالمية يستخدم كل طرف فيها جميع أشكال القوة المتوافرة لديه وتشهد فيه أوروبا بشكل خاص، والعالم بشكل عام، دماراً لا يمكن تصور فداحته، وكانت مجلة «أنتي وور» الأميركية قد ذكرت أول أمس أن واشنطن وافقت على إرسال طائرات مقاتلة أميركية إلى بولندا لكي تنقلها إلى أوكرانيا، وذكرت قناة «سي بي إس ان» الأميركية أن واشنطن أعطت الضوء الأخضر لدول حلف الأطلسي لإرسال طائرات حربية يستخدمها الأوكرانيون بأنفسهم لمقاتلة الجيش الروسي وهذا ما يدل على وجود مخطط يهدف إلى إطالة أمد الحرب وإشغال روسيا بها، والسؤال المطروح هو: هل سيتمكن الغرب حقاً من تحقيق هذه الغاية أو أن الردع النووي الإستراتيجي لروسيا سوف يفرض عليه التراجع عن تنفيذ هذا الإجراء؟
موقع «سي تي في الكندي» قال في 4 شباط الجاري: إن هناك خمسة سيناريوهات محتملة لنهاية هذه الحرب:
1- تقديم تنازلات تلبي شروط موسكو.
2- تحول الحرب إلى حالة نزاع طويل.
3- أن يحسم الجيش الروسي المعركة بسرعة.
4- أن يراهن الغرب على انقلاب في موسكو.
5- انزلاق الحرب إلى دول أوروبية مجاورة.
وفي كل هذه السيناريوهات تنتفي حرب عالمية ثالثة نووية مدمرة.
والمؤكد في أي من هذه السيناريوهات أن النظام الأميركي الذي يحكم القواعد الدولية، سيتزعزع ولن يستمر كما يرغب الغرب.