كتب تحسين الحلبي | كيف تسلب واشنطن أموال الخليج!
تحسين الحلبي | باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
يدل السجل التاريخي للسياسة الأميركية في العالم بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، على حقيقة أن أهم السلع والمواد التي تهتم الولايات المتحدة بتصديرها وتحقيق أكبر الأرباح الدائمة والقابلة للزيادة منها هي الأسلحة، وبخاصة لبيعها لدول النفط والغاز البالغة الثراء في الخليج، فالولايات المتحدة تتعامل مع هذه الدول الثرية كمجمعات مالية ضخمة بسبب عائداتها من هذه الثروات الطبيعية التي تنظر إليها واشنطن كأموال موجودة في بنوكها وقابلة للتصرف فيها بحسب مصالحها.
ولكي تبيع الأسلحة وتجني هذه الأرباح اعتادت واشنطن على خلق النزاعات والحروب حتى بين الدول الصديقة والحليفة لها في المنطقة طوال أربعين عاماً، بدءاً من تحريض صدام حسين على شن حرب دامت ثماني سنوات ضد إيران لجني الأرباح من أموال نفط العراق وتدمير نفط إيران، ثم نقلت الحرب إلى الكويت واستغلت حرب الخليج الأولى عام 1991 للسيطرة على أموال نفط الكويت والعراق معاً، إضافة لدول خليجية أخرى باسم نفقات مشاركتها بحرب الخليج وبيع الأسلحة لدوله، ثم عادت واحتلت العراق لاستكمال سيطرتها على أمواله عام 2003.
وجدت السياسة الأميركية أن عليها توليد حروب ونزاعات داخلية وعبر الحدود لتصدير المزيد من الأسلحة، فأعدت خطة «الربيع العربي» في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما عام 2011، لاستكمال سيطرتها على المنطقة، فكان من نصيب شبه الجزيرة العربية هذه المرة، توليد حرب عام 2015 بين السعودية واليمن، أكبر دولتين في المساحة وعدد السكان، وحققت أكبر نسبة من تصدير الأسلحة للسعودية برغم أنها تفرض على السعودية مبلغاً مالياً كبيراً ثمناً لحمايتها ووجود بعض قواعدها فيها، وهذا ما فعله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حين حمل معه أكثر من 600 مليار دولار في زيارة واحدة للسعودية عام 2017، ويذكر أن واشنطن تفرض مليارات الدولارات سنوياً على كوريا الجنوبية واليابان لحمايتهما وتبيعهما في الوقت نفسه أسلحة بعشرات المليارات، وعلى غرار دول الخليج تحتفظ في أراضيهما بعدد كبير من الجنود والأسلحة والقواعد العسكرية الأميركية.
وتمنع واشنطن دول الخليج من استثمار أموالها الفائضة الضخمة في مشاريع خارجية أو في دول شقيقة لكي لا تذهب هذه الأموال خارج سيطرة المصالح الأميركية، وتعمل في الوقت نفسه على إطالة أمد الحروب والنزاعات لكي يستمر تصدير الأسلحة وجني الأرباح على حساب ضحايا الحروب، وهذا ما يشير إليه بالمضمون تحليل نشرته مجلة «ريسبونسيبيل ستيتكرافت» الأميركية للأبحاث في السابع من الشهر الجاري، تحت عنوان «الشرق الأوسط: دورات نزاع مستمرة وبيع للأسلحة»، يبين فيه المحللان شروتي بونيا ومارك فينود التزايد الهائل لارتفاع نسبة مبيعات الأسلحة الأميركية لدول الخليج ما بين عامي 2016-2020 بـ25 بالمئة نتيجة شراء السعودية ودول الخليج الأخرى للأسلحة الأميركية، وبلغت نسبة تصدير هذه الأسلحة لدول الخليج الآن 47 بالمئة من كامل مبيعاتها للأسلحة و61 بالمئة من هذه النسبة للسعودية لوحدها، وبهذا الشكل تصبح الحرب على اليمن وبيع الأسلحة أهم سلعة رابحة لا تنتهي صلاحية استمرارها طالما تحرض واشنطن على هذه الحروب والنزاعات حتى بين الدول الحليفة لها، وإلا فما الأسباب الموجبة لنزاع بين قطر والسعودية، وهما من أهم حلفاء الولايات المتحدة في الخليج وكل منهما اعتاد على تلبية مطالب السياسة الأميركية؟
في 15 آذار عام 2020 نشرت المجلة الإلكترونية الإحصائية «ستاتيستا» صورة بيانية لقيمة ما باعته الولايات المتحدة من أسلحة لعدد من دول العالم، فتبين منه أن السعودية اشترت أسلحة أميركية منذ عام 1990 حتى عام 2020 بقيمة 2151 مليار دولار، واشترت قطر بقيمة 300 مليار دولار والإمارات العربية بقيمة 149 ملياراً.
وكانت السعودية أكثر دولة مستوردة للأسلحة لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما حاجة قطر على سبيل المثال لشراء أسلحة بقيمة 300 ملياراً طالما أن عدد المواطنين القطريين فيها يزيد قليلاً على 300 ألف، وهذا يعني أن كل قطري تسلح بقيمة 3 ملايين دولار علماً أن عدد أفراد الجيش القطري لن يزيد في هذه الحالة عن 30 ألفاً فيصبح الجندي القطري يحمل أسلحة بقيمة 30 مليون دولار فهل يعقل هذا؟ وهل لقطر أعداء يعد الجيش القطري نفسه للتصدي لهم بجيش حتى لو كان عدده خمسين ألفاً؟
في واقع الأمر لا تقاتل الولايات المتحدة الدول التي تدافع عن سيادتها واستقلالها ومصالح شعوبها في المنطقة بأموال أميركية، بل بما تسلبه من أرباحها وسلبها لأموال النفط والغاز العربية، وبهذا الشكل يصبح إبقاء الحروب والنزاعات مصلحة إستراتيجية أميركية في هذه المنطقة والعالم، ولن يوقف هذه الحروب سوى إرادة شعوبها.