تحسين الحلبي | باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
إذا كان من مصلحة إسرائيل البديهية ألا تسود علاقات طبيعية ودية بين إيران ودول الخليج بشكل خاص، فإن من مصلحة إسرائيل أمام هذه المسلمة المنطقية القيام بعرقلة أي تطور للعلاقات بين إيران وحلفائها مع بقية الدول العربية، وكان السجل الإسرائيلي السري التخريبي قد أثبت الدور الإسرائيلي في الخمسينيات بعد التقارب الأميركي مع مصر في بداية عهد الرئيس جمال عبد الناصر حين اعتقلت المخابرات المصرية عدداً من ضباط الموساد الإسرائيليين بعد قيامهم بتفجيرات ضد مؤسسات أميركية في القاهرة لاتهام المخابرات المصرية بتنفيذها، وكان الهدف من هذه العمليات السرية الإسرائيلية هو تخريب العلاقات بين واشنطن والقاهرة ومنع تطورها لأنها تعدها ضد المصالح الإسرائيلية.
في ذلك الوقت، أصدرت السلطات القضائية المصرية أحكاماً بالحبس على جواسيس الموساد بعد اعترافهم بتنفيذ تلك العمليات، وقضوا مدة العقوبة واستلمتهم الحكومة الإسرائيلية علناً أمام العالم كله.
وفي الظروف الراهنة التي ينقسم فيها العالم العربي والإسلامي في المنطقة بين دول تعلن عن حرب مكشوفة على قوات الاحتلال، ودول أخرى تعلن عن انتهاء الحرب ضد إسرائيل، سيكون من البدهي أن تعمل إسرائيل على توريط الدول المعادية لها مثل إيران وسورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية، في نزاعات أو خلافات مع دول أخرى وتفرض انشغال كل هذه الدول بمشكلات مفتعلة تؤدي إلى ضعف الجميع، فإسرائيل منذ اغتصابها لفلسطين عام 1948 لم تتوقف عن انتهاج سياسة خلق الانقسامات والنزاعات بل الحروب بين دول المنطقة، فهي التي اعترفت بإرسالها أسلحة ومقاتلين أجانب لمحاربة الجيش المصري في بداية الستينيات في اليمن الشمالي بتنسيق مشترك مع بريطانيا التي كانت قواتها تحتل اليمن الجنوبي في ذلك الوقت.
كذلك في الظروف الراهنة التي دفعت فيها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعض الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع كيان الاحتلال، لا أحد يجب أن يشك بأن إسرائيل ستجند كل قدراتها الاستخباراتية وأجهزتها التجسسية لزيادة تخريب العلاقات بين دول الخليج من جهة، وبين إيران من جهة أخرى، وستحاول بوساطة عمليات سرية إرهابية تنفذها في البحر الأحمر والخليج اتهام أطراف محور المقاومة بتنفيذها.
يعترف عدد من قادة إسرائيل العسكريين بأن عجز إسرائيل عن ضمان انتصارها على إيران بشكل خاص وأطراف محور المقاومة بشكل عام، سيدفعها للجوء إلى شن حرب استنزاف وحصار عن طريق كل أشكال العمل السري التي تولد النزاع بين دول المنطقة، ولذلك يرى المحللون في الولايات المتحدة أن برنامج العمل الأميركي والإسرائيلي في المنطقة في هذه الظروف سيتضمن تنفيذ سياسات سرية تؤدي إلى تجنيد دول عربية وإسلامية في المنطقة لمحاصرة إيران ومحور المقاومة تمهيداً لتفتيته والتخلص من كل أشكال المقاومة التي تستهدف إسرائيل والمصالح الأميركية في المنطقة.
لهذه الأسباب بدأت وزارة الدفاع الإسرائيلية بإعطاء المزيد من التراخيص التي تخول عدداً مما يسمى «الشركات الإسرائيلية الخاصة لخدمات الأمن وجمع المعلومات» توسيع نشاطاتها وخدماتها في الدول التي تتوصل مع الكيان الإسرائيلي إلى اتفاقات تطبيع، ويذكر أن عدد الشركات الإسرائيلية الخاصة للخدمات الأمنية زاد في السنتين الماضيتين على 300 شركة معلنة، تعززها شركات لا تحمل أسماءها وتقوم بتنفيذ جزء كبير من مهامها وأهدافها، وهذا ما جعل من شموئيل بار، أحد ضباط الصف الأول في الموساد سابقاً ومؤسّس أكبر شركتين للخدمات الأمنية في العالم والذي عمل ثلاثين سنة في هذا المنصب، يعقد منذ عام 2017 اتفاقات مع عدد من دول المنطقة بموجب ما نشرته المجلة الإلكترونية «بلومبيرغ» في شباط 2017 تتولى فيها شركاته رصد وتحليل المعلومات التي يتداولها المواطنون في هذه الدول ونقلها لمخابرات تلك الدول، وقد أعلن عن ذلك في أكثر من مناسبة من دون أن يخفي المصلحة الإسرائيلية من كل هذه الاتفاقات.