كتب تحسين الحلبي | ارتداد الفخ الأميركي على الغرب في أوكرانيا
تحسين الحلبي | باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
يبدو أن الحروب في العالم في هذا العقد الثالث من الألفية الثالثة الميلادية بدأت تتسم بمظاهر وأشكال مختلفة وخاصة بين القوى العظمى، ولا يجري فيها تفعيل العمل الميداني المباشر والهجومي للقوات والقدرات العسكرية برغم أن النزاع أو الصراع بين أطراف القوى العظمى يتعلق بمصالح متناقضة إقليمية وعالمية إستراتيجية.
في الأزمة الأخيرة بين روسيا الاتحادية من جهة، وحلف الأطلسي ومعه الولايات المتحدة من الجهة الأخرى، تمكنت القيادة الروسية من فرض قواعد وشروط المواجهة بطرق تضمن لها تحقيق «السقف» الذي وضعته لأهدافها، وتنجح بانتزاع هذه المكاسب من القوة الكبرى الأميركية وحلفائها في الأطلسي، وتبين أن الشكل الذي اتخذته القيادة الروسية بموجب اعتراف عدد من المحللين للشؤون الإستراتيجية في الغرب، أنها استنزفت قدرة أوكرانيا على التحمل وصدت الهجوم المضلل الإعلامي الموجه بأن الاجتياح الروسي سوف يبدأ غداً، ثم قيل بعد يومين، على حين ساد الفزع والخوف بين مواطني أوكرانيا، وازداد انعدام ثقة الأوكرانيين بالغرب بعد إعلان الأخير عن سحب دبلوماسييه ومواطني بلدانه من أوكرانيا.
وحول هذه الملاحظة بالذات رأى أناتول ليفين في تحليل نشره في مجلة «ريسبونسيبيل ستيت كرافت» في 14 شباط الجاري أن إعلان الغرب عن هذه الانسحابات للدبلوماسيين والمواطنين غير الأوكرانيين، جعل الأوكرانيين يشعرون أنهم وحدهم أمام قوة كبرى، ومن الجهة الأخرى أدرك الكثيرون من المثقفين السياسيين في أوكرانيا أن واشنطن والأطلسي يريدان أن يدفع الأوكرانيون ثمن هذه الحرب التي تريدها واشنطن على حساب دماء الأوكرانيين، ولكي تنشغل روسيا بما يشبه أفغانستان جديدة من نوع آخر، ويوضح ليفين أن سياسة الحرب الإعلامية الغربية لشيطنة روسيا فشلت، وبقيت روسيا تقود قواعد صراعها هذا مع الغرب بطريقة حققت لها إيجابية في مجرى الاستعدادات العسكرية ومسوغاتها وفي مجرى المفاوضات الدبلوماسية مع الجميع والاستعداد لأي حلول تتوافق مع ضمانات أمنها، على حين انتشر الخوف في أوكرانيا، وتبين أن واشنطن والأطلسي لا يستطيعان أن يفرضا على روسيا كل شروطهما برغم كل ما جرى توظيفه منهما من سياسات معادية لروسيا في معظم أرجاء العالم.
في النهاية يبدو أن السيناريو الغربي لاجتياح روسيا لأوكرانيا لم يعد يقنع الكثيرين في الساحة الأوروبية، لأن دولاً أوروبية مثل فرنسا وألمانيا لا تثق بأن إصرار واشنطن على تضييق الخناق على روسيا سواء في ضم أوكرانيا إلى الأطلسي أم غير ذلك، سيضمن عدم توسع أي صدام عسكري بين موسكو وكييف إلى بقية أنحاء القارة الأوروبية.
وشكل هذا العامل الأوروبي نقيضاً لسياسة الرئيس الأميركي جو بايدين التي أصرت منذ البداية على إقناع الاتحاد الأوروبي بمصلحة الغرب من خنق روسيا أو دفعها للصدام مع أوكرانيا.
ربما يمكن الاستنتاج بأن المخطط الذي وضعته واشنطن لهذه الجولة لجر موسكو لحرب شاملة ضد أوكرانيا، تمكنت القيادة الروسية من إحباطه في النهاية، بل من تحويل نتائج هذه الجولة إلى مصلحة روسيا وحلفائها في أوروبا وآسيا، فما بعد هذه الجولة لن يعود العالم والصراع بين القوى الكبرى إلى ما كان عليه قبلها، بل إن ما ستحققه روسيا من هذه الجولة ستنتقل العوامل الإيجابية فيه إلى ساحة الصراع بين الولايات المتحدة والصين في آسيا، وسوف يسجل التاريخ أن هزائم واشنطن ستتوالى في ساحات كثيرة بعد هذا الفخ الذي نصبته لموسكو فارتد عليها.