كتب بهاء الخزعلي | البيت الأبيض لا ينفع في اليوم الأسود!!
بهاء الخزعلي | كاتب وباحث عراقي
في البداية لفهمنا ما يحصل من أزمة بين روسيا وأوكرانيا في الوقت الحالي علينا دراسة روسيا من ثلاث محاور رئيسية…
●اولاً المحور الجغرافي لروسيا: روسيا أكبر بلد بالعالم تبلغ مساحته ١٧ مليون كيلومتر، ويضم كل من شمال آسيا وأوروبا، وهي حلقة وصل بين كوريا الشمالية والصين من آسيا الى النرويج في أوروبا، وبسبب انخفاض درجات الحرارة في القسم الروسي الاسيوي تصعب عملية مهاجمة روسيا منه، أما القسم الروسي الاوربي فهو مؤمن من الشرق بسلسلة جبال الاورال الوعرة، ومن جهة الجنوب مؤمن بسلسلة جبال القوقاز، أما القسم الجنوبي الغربي مؤمن بسلسلة جبال الكاربات، ثلاث تحصينات طبيعية تمنع اي غزو بإتجاه روسيا من جهة الشرق، أما القسم الأخير الغير مؤمن وهو القسم الشمال الغربي المعروف بالهضبة الأوربية، وتعتبر روسيا أن هذه الهضبة هي المنفذ المسطح الخطير التي من الممكن أن تتعرض للغزو من خلاله، لذلك تسعى روسيا لتأمين نفسها من خلال منع اي محاولة لضم دول الجوار القريبة منها الى حلف الناتو.
●ثانياً المحور الاقتصادي لروسيا:
تتمتع روسيا بوجود ثروات طبيعية مثل الغاز والنفط والنحاس والحديد وغيرها من المعادن، ولكي تصدر ثرواتها أو تستورد مواد غذائية تحتاج الى موانئ، خصوصاً أن النقل البحري يعتبر هو الأفضل في عملية التجارة العالمية حيث الكلفة اقل والحمولة أكثر، وروسيا رغم كل ذلك هي بلد شحيح الموانئ حيث تمتلك ثلاث موانئ فقط الاول ميناء سان بطرسبورغ على بحر البلطيق وهذا الميناء يعاني من حالة الإنجماد في الشتاء وكذلك هذا الميناء يمر من خلال الدنمارك والنرويج حلفاء أميركا، والميناء الثاني هو ميناء نوفوروسيسك في البحر الاسود وهذا الميناء ميناء صغير والتضاريس البحرية وعمق المياه غير مناسبة وكذلك هو يمر من خلال تركيا والتي هي عضو في الناتو، وثالث ميناء هو فلاديفوستوك والذي تسيطر عليه اليابان وكوريا الجنوبية حلفاء أميركا، لذلك دعت الحاجة إلى استأجار روسيا عام ١٩٩٦ لميناء سيباستوبول في شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، كما أن روسيا لا تستطيع الزراعة الا أربعة أشهر في السنة بسبب تجمد المياه مما يجعل روسيا في حاجة تامة للموانئ لإستيراد المواد الغذائية ولتصدير ثرواتها المعدنية، ولذلك سعت الولايات المتحدة لمحاصرة روسيا من خلال اوكرانيا.
●ثالثاً المحور السياسي لروسيا:
روسيا و أوكرانيا ينحدرون من الأصول السلافية ولذلك روسيا تعتبر أوكرانيا جزءً منهم، تبدأ القصة منذ عام ١٩٤٩ عندما ذهبت الولايات المتحدة لأوروبا الغربية وطرحت فكرة مواجهة التمدد الشيوعي مما اسفر عن تأسيس حلف الناتو بذلك العام، وعندما بدأ ذلك الحلف بالتوسع قامت الدولة السوفييتية بالتفكير بنفس الطريقة وهي التوحد مما دعا خروتشوف في عام ١٩٥٤ اهداء شبه جزيرة القِرم الى أوكرانيا، وفي عام ١٩٥٥ قام السوفيية بتأسيس حلف وارسو الذي يضم دول الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية الحليف الشيوعي، وبعدما توسع حلف الناتو وكان السوفيية منشغلين في مستنقع حرب أفغانستان، وكذلك الحرب الباردة، مما أدى إلى إعلان انسحاب السوفيية عام ١٩٨٩ منهزمين من أفغانستان، وصاحب ذلك ثورات أوروبا الشرقية ضد الحكومات الشيوعية الحليفة للسوفيية وأستبدلت بحكومات أخرى حليفة للغرب، وفي عام ١٩٩٠ عندما توحدة ألمانيا بقي الاتحاد السوفييتي وحيداً بمواجهة الغرب، وبعدما أُثير ملف الأمن الاوربي واصدر حلف الناتو وعداً بأنه لن يتوسع بإتجاه الاتحاد السوفييتي ولو بوصة واحدة ما وراء نهر الأودر في ألمانيا، وفي عام ١٩٩١ أعلن الرئيس السوفييتي بوريس يلتسن حل الاتحاد السوفييتي، ومنذ عام ١٩٩١ الى عام ٢٠٠٤ انضمت دول أوروبا الشرقية الى حلف الناتو في حين كان الروس غارقين بأزمة الشيشان، وبذلك عرفة روسيا أن القضية ليس قضية تفكيك الاتحاد السوفييتي أو من قبله حلف وارسو أنما هي قضية تدمير كل من يحاول الوقوف بوجه الولايات المتحدة، وبذلك لم يبقى فاصل بين روسيا وأوروبا غير أوكرانيا، لذلك سعت الولايات المتحدة الى ضم أوكرانيا الى حلف الناتو لتحاصر روسيا من جميع الجهات، ولعلمها أن روسيا لن تقف موقف المتفرج نصبت لروسيا ذلك الفخ.
● فخ الولايات المتحدة:
بعد تظاهرات عام ٢٠١٤ في اوكرانيا والتي سميت (بالثورة البرتقالية او ثورة الكرامة) والتي ادت الى تغيير رئيسها السابق فيكتور أليانوفيتش الموالي لروسيا، وأستبداله ببيترو بوروشينكو الموالي للغرب كرئيساً لأوكرانيا بعد فوزه بالانتخابات، فأعادت الحكومة المنتخبة الدستور الاوكراني لتعديلات عام ٢٠٠٤، وحققت الولايات المتحدة بذلك ثلاث امور…
* عزل أوكرانيا عن النفوذ الروسي.
* تحول أوكرانيا لدولة أوربية تابعة للولايات المتحدة.
* تحريض الروس لإقتحام أوكرانيا عسكرياً مما يعطي الشرعية للولايات المتحدة ودول الناتو بفرض عقوبات على روسيا واضعافها اقتصادياً ولوجستياً وربما عسكرياً لاحقاً.
ونذكر ان في عام ٢٠١٦ عندما قامت الدولة العميقة في تركيا بإنقلاب على حكومة أردوغان لكنها فشلت، مما جعل التحرك التركي يذهب صوب المعسكر الشرقي رغم أن تركيا ما زالت تحت مظلة الناتو الى يومنا هذا، لكن توجهها لإقامة اتفاقيات مع روسيا دعا الولايات المتحدة لإرسال قواتها الى اليونان لتدارك الموقف، وعندما أعلنت روسيا عن اتفاقاتها المبرمة مع الصين عام ٢٠١٨، قامت الولايات المتحدة بتضييق الخناق على الصين من خلال اليابان وكوريا الجنوبية ودول آسيا، و ارسلت قواتها الى استونيا كخطوة استباقية للضغط على روسيا، وبخطوة غير مسبوقة انسحبت من أفغانستان دون سابق إنذار تاركة الحكم الى حركة طالبان، وتسليحهم بشكل غير مباشر عبر وسطاء اقليميين ليكونوا جداراً بوجه الروس، لكن الروس قاموا بإستمالة طالبان وإجراء محادثات لهم سعياً لإعطاء المنطقة حالة من الاستقرار بعد قرار الولايات المتحدة الغريب بالانسحاب.
بعد ذلك في عام ٢٠٢٠ قامت الولايات المتحدة بمحاولة استفزازية لجر الروس الى حرب إقليمية من خلال نشر قوات الناتو على الحدود الروسية كتهديداً مباشر للأمن الروسي، وكذلك ضغطت على أوكرانيا للدخول بحلف الناتو بحجة حمايتها من الروس.
وبذلك نفهم أن الموقف الروسي بأجتياح أوكرانيا كان هو الخيار الوحيد المتاح لهم، في حين الولايات المتحدة ترى بذلك الموقف فائدةً لها لأنها ستحقق مجموعة نقاط مهمة تضمن لها استمرار هيمنتها على العالم وأهم تلك الأهداف هي…..
* جر الروس نحو الحرب الإقليمية.
* جعل الروس تهديداً عسكرياً على رقاب الدول الأوربية والتي باتت تخرج عن سيطرة الولايات المتحدة.
* جعل الدول الأوربية تحت تهديداً يدفعهم بالتوجه نحو الولايات المتحدة.
* محاولة الولايات المتحدة اغراق الاوربيين بحرب طويلة ضد الروس ومن خلفهم الصين لإنهاك جميع القوى العالمية لضمان استمرار قيادتها للعالم وذلك من خلال دعمهم بالاسلحة والمعدات ولعبة الحرب بالوكالة.
* تصدير تلك الأزمة وتدويرها على عدة مناطق حيث من الممكن أن تسعى تركيا للتوجه نحو سوريا والعراق، وكذلك الصين نحو تايوان مما يجعلها تدخل بصراع هي الأخرى أمام جيرانها فيصبح العالم على صفيح ساخن.
* أما على الصعيد الاقتصادي فساهمة تلك الأزمة على رفع اسعار العديد من السلع الأساسية كالقمح والغاز والتي ستحقق منها الولايات المتحدة ارباحاً كبيرة، وذلك من خلال ما نشره موقع (RT) العربية بأن “واشنطن وبروكسيل تخلتا عن فكرة فصل روسيا عن نظام سويفت العالمي” وبذلك هي تمد الطرفين المتخاصمين بما يلزمهما لضمان استمرار تلك الأزمة مدة أطول.
كما أن الولايات المتحدة لم تتخذ نفس الاجرائات التي اتخذتها ضد الصين أثناء تحركها اتجاه تايوان، كأرسال الغواصات النووية الى بحر الصين الجنوبي أو دعم اليابان وتايوان بالاسلحة والمعدات لإيقاف التحرك الصيني ولو بشكل وقتي، كما أن الولايات المتحدة استطاعة بخطوة إستباقية من نقل شركات الرقائق من تايوان الى إيرزونا للتخلص من إلتزاماتها لاحقاً اتجاه تايوان، مما يؤكد أن الولايات المتحدة تبحث عن خلق عدة توترات في عدة مناطق من العالم تكون هي لاعباً غير رئيسياً بها للوصول إلى ثلاث أهداف إستراتيجية..
الاول: ايقاف مشروع الحزام والطريق.
الثاني: أضعاف جميع القوى العالمية.
الثالث: استمرارها بقيادة العالم.
لذلك على أوكرانيا وجميع الدول الحليفة للولايات المتحدة عليها أن تعرف أن الولايات المتحدة ستتخلى عنها في مراحل الصراع المباشر وتقوم بمساعدتها بالتسلح فقط لتنأى بنفسها عن تلك الصراعات، وبذلك على الجميع الفهم بأن (البيت الأبيض لا ينفع في اليوم الأسود).