بشار اللقيس | اعلامي لبناني ورئيس تحرير الخندق
من غير الواضح متى أدركت وكالة المخابرات المركزية لأول مرة أن مغنية كان دائم التردد على دمشق، لكن مكان وجوده كان معروفاً لمدة عام على الأقل قبل شهادته. تشكل شهادة أحد مسؤولي المخابرات الأمريكية السابقين، في صحيفة الواشنطن بوست، مادة مهمة في تلمس مسار العمل على استهداف الرجل. فبحسب اعترافاته؛ كان الإسرائيليون أول من اتصل بوكالة المخابرات المركزية بشأن عملية مشتركة لاغتيال مغنية في دمشق عام 2007. لمدة عام، كانت أجهزة المخابرات تعمل على تكوين صورة عن نمط حياة مغنية. “كان التخطيط للعملية شاملاً” يضيف قائلاً. تم رفض اقتراح إسرائيلي لوضع قنبلة في “سرج دراجة نارية”. كما كان من الضروري اختبار القنبلة بشكل متكرر قبيل العملية لتقليل مساحة منطقة الانفجار.
بحسب المسؤول الاستخباراتي الأميركي، اختُبرت القنبلة مرات عدة في هارفي بوينت؛ وهي منشأة عسكرية أمنية في “نورث كارولينا”، قبل أن “يطمئن” المسؤولون في النهاية إلى أن لديهم قنبلة يمكن استخدامها دون المخاطرة بقتل أو إصابة آخرين. لقد صنعت الولايات المتحدة القنبلة واختبرتها مراراً وتكراراً في منشأة في هارفي بوينت لضمان عدم التسبب بأضرار جانبية، يضيف المسؤول المشارك في العملية: “ربما فجرنا 25 قنبلة للتأكد من أننا حصلنا عليها بشكل صحيح”.
ليل الثاني عشر من شباط من العام 2008، سار عماد مغنية في شارع ليلي هادئ في دمشق بعد اجتماع أتمه في محل قريب. ليس بعيداً، كان فريق من مراقبي وكالة المخابرات المركزية في العاصمة السورية يتتبعون حركته من خلال تقنية التعرف على الوجوه. عندما اقترب مغنية من سيارة دفع رباعي متوقفة إلى جانب الطريق، انفجرت عبوة متفجرة مزروعة في إطار احتياطي في مؤخرة السيارة. بلغ المدى الانفجاري دائرة بقطر 20 قدماً. استُشهد مغنية على الفور. “اسرائيل” لم تُشارك في التخطيط. الأميركيون لم يفجروا العبوة. لقد تم تفجير العبوة عن بعد من مكان ما في تل أبيب.
ظل تورط الولايات المتحدة في عملية الاغتيال، بعيداً عن التداول الإعلامي الأميركي بشكل مباشر لسنوات. يعود ذلك لأسباب عدة؛ منها السياسي ومنها القانوني. فمغنية تم استهدافه في بلد لم تكن الولايات المتحدة في حالة حرب معه. إضافة إلى ذلك، كان في تقنية الإستهداف انتهاك للقوانين الدولية التي تحظر “القتل غيلة” أو غدراً. “إنها طريقة قتل يستخدمها الإرهابيون وأفراد العصابات”، وهي “تنتهك واحدة من أقدم قواعد الحرب” بحسب رأي خبراء القانون الدولي.
اعتمدت إدارة بوش في مشاركتها في استهداف “الحاج” نظرية الدفاع عن النفس على المستوى القانوني، مدعية أنه كان يخطط للقيام بأنشطة ضد الولايات المتحدة وقواتها في العراق. جنّب هذا المنطق القانوني وكالة الإستخبارات المركزية انتهاك قانون الحظر الشامل على الاغتيالات، الصادر عام 1981. ومع ذلك تجاوزت عملية اغتيال الحاج حدود صلاحيات الاستخبارات الأميركية وحدها، فاحتاجت قراراً رئاسياً من الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بشكل مباشر، وكل من: المدعي العام مايكل موكاسي، مدير المخابرات الأميركية مايكل هايدن، مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي، ومكتب المستشار القانوني في وزارة العدل ستيفن برادبوري (كانت مهمته إيجاد إطار قانوني)، وجميعهم وقعوا على قرار تنفيذ العملية.
– العمل الإسرائيلي _ الأميركي لاغتياله:
يقودنا التقصي خلف المعلومات لإحدى أهم المحطات وأكثرها حساسية على المستوى السياسي بالنسبة للولايات المتحدة و”إسرائيل”. نحن هنا نتحدث عن بداية الألفية الجديدة، والتي انطلقت بتحديات أربعة مركزية بالنسبة لأميركا والإسرائيليين؛ 1- الحرب على الإرهاب، 2- صورة الأمن القومي الإسرائيلي بعيد اندحار الصهاينة من لبنان، 3- استعصاء الانتفاضة الثانية على الإسرائيليين، 4- بدء التحضير لاحتلال العراق بعيد غزو أفغانستان. تقول ألين ناكاشيما محررة شؤون الأمن القومي في الواشنطن بوست في مقال لها في كانون الثاني 2015، أن إدارة بوش كانت قد لجأت، عقب هجمات 11 أيلول، إلى وكالة المخابرات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة التابعة للجيش الأميركي من أجل تكثيف الخطط لوقف نشاط العناصر “الإرهابية”، بمن فيهم أولئك الذين ليس لهم صلة مباشرة بالقاعدة.
كان شخص الحاج عماد مغنية محط اهتمام الطرفين الأميركي والإسرائيلي. تقول ألين أنه وفي أحد اجتماعات القيادة الأميركية – الإسرائيلية الأمنية عام 2002 في تل أبيب (وهو اجتماع ضم كبار ضباط قيادة العمليات الخاصة المشتركة “JSOC” ورئيس جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلي)، طرح المسؤولون الأمريكيون طرقاً عدة للقبض على مغنية أو قتله بطريقة مرتجلة لدرجة أن مضيفيهم من الإسرائيليين شعروا بالصدمة حيال الأمر.
يقول أحد المسؤولين الأميركيين عن ذلك اللقاء: “عندما قلنا إننا سنكون على استعداد لاستكشاف الفرص لاستهدافه، سقطوا في مقاعدهم من الذهول”. لم تضع قيادة العمليات الخاصة المشتركة خططاً عملياتية للتنفيذ في ذلك العام، لكنها استكشفت السيناريوهات المحتملة، وأرادت قياس استعداد “إسرائيل” للعمل كنقطة إخلاء لفرق الكوماندوس الأميركية.
***
– ظل مغنية يطارد قاتليه
ظهيرة 18 نيسان 1983، كان رايان كروكر في مكتبه في سفارة الولايات المتحدة في بيروت، يتأمل زرقة البحر الأبيض المتوسط عند النافذة. عند الساعة 1:05 تمام الظهيرة، لفت نظر كروكر شاحنة انحرفت إلى يسار الطريق المفضي إلى السفارة بشكل حاد، تمهلت الشاحنة قليلاً. لاحظ كروكر أن السائق يتمتم قارئاً نصاً ما قبل أن ينطلق بأقصى سرعته باتجاه الجدار الأمامي للسفارة، دوى بعدها انفجار ضخم مزق المبنى المكون من سبعة طوابق. لم يدر كروكر ما حصل بعيد الانفجار. توماس فريدمان مراسل نيويورك تايمز في حينه، يصف حال كروكر عندما رأى الأخير يركض مترنحاً مع زوجته بعيداً من المبنى. كان كروكر يتشحط بدمه.
وكروكر هذا، نجل ضابط في القوات الجوية الأميركية، جاء إلى بيروت مطلع عام 1982. منتصف السبعينيات، اختار كروكر العيش مع قبيلة بدوية من رعاة الأغنام في الأردن ليكتسب اللغة العربية. كان عليه أن يتعلم اللغة العربية، ويختبر قدراته اللغوية من خلال ركضه في الشوارع. وهو الأمر نفسه الذي كان يدأب على ممارسته حتى قبيل يوم واحد من تفجير مبنى السفارة الأميركية في بيروت.
لكروكر قصة طويلة، بعض أصدقائه من الدبلماسيين يعتبرونه رجل المهمات الصعبة. ولد هذا الرجل ليعيش المخاطر بكل أنواعها يقولون. أما مخاطر بيروت في النصف الأول من الثمانينيات فقد كان لها اسم واحد بالنسبة له: عماد مغنية. وبالرغم من تقدير أصدقائه أن تفجير السفارة كان عملاً من خارج السياق – أي أنه لن يتكرر – ظل كروكر متحذراً ومهتماً باكتشاف ملامح الجماعة الإسلامية الجديدة التي تقف خلف الانفجار.
مرت أشهر ست، قبيل أن يقع ما توقعه كروكر في 23 تشرين الأول من العام 1983. ينقل ماثيو ليفيت المسؤول عن برنامج مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن حادثة ذلك النهار كالتالي: في الساعات الأولى من فجر 23 تشرين الأول عام 1983، استيقظ شاب لبناني من عائلة شيعية. أدى صلاة الفجر وشرب الشاي في إحدى الضواحي المطلة على ثكنات المارينز، تبادل “رؤساؤه” بعض الأفكار الأخيرة معه، سلّم على رجل دين كبير. ثم انطلق في شاحنة مرسيدس صفراء. عند الساعة 6:22 صباحاً، تجاوزت الشاحنة المحملة بالمتفجرات نقطة حراسة مبنى مقر كتيبة مشاة البحرية الأمريكية في بيروت وانعطفت في ردهة قبل أن تنفجر. كان أقوى انفجار يعرفه لبنان وربما الشرق الأوسط في حينه. أدى الانفجار إلى تدمير المبنى المكون من أربعة طوابق، والمكون من الخرسانة المدعومة بالفولاذ – كان يعتبر أحد أقوى المباني في لبنان في ذلك الوقت -. بعد ثوانٍ، استهدف هجوم مماثل تقريباً مبنى القوة الفرنسية المتعددة الجنسيات (MNF) على بعد أقل من أربعة أميال. ما كان أكيداً منه كروكر أن مغنية شاهد صبيحة ذلك اليوم الهجوم من خلال منظار من أعلى مبنى مجاور للمطار. كان يوم الثالث والعشرين من تشرين الأول 1983 حاسماً بالنسبة لكروكر وغيره من المسؤولين الدبلوماسيين والأمنيين الأميركيين. عماد مغنية وراء كل ما يجري لنا في لبنان.
تشكل تلك المرحلة لحظة تاريخية مهمة في تاريخ المطاردة بين مغنية والأميركيين. اختلفت دوائر الاستخبارات في تسميته، الدبلوماسيون الأميركيون أسموه الثعلب، الفرنسيون أسموه السيد إكس، الإسرائيليون أسموه موريس، السوفييت أسموه الضبع. وصار لكل منهم مع عماد حساباً مختلفاً وقواعد مختلفة من الحرب الأمنية.
على مر السنين، تهرب “الثعلب/ الضبع/ إكس/ موريس” من الوقوع في شراك خصومه في مناسبات عدة. المرة الأولى كانت في تشرين الثاني من العام 1985، عندما اعترض مسؤولون في محطة الاستخبارات الأميركية في غرب أوروبا عينة من تردد صوتي لمغنية في باريس. تم تعقب صاحب العينة الصوتية ليصار إلى تأكيد وجوده في فندق في شارع الشانزليزيه في باريس. كانت زيارته تلك بعيد أقل من خمسة أشهر من حادثة اختطاف طائرة الـTWA. اختُلف آنذاك في تحديد سبب وجوده في العاصمة الفرنسية. البعض أرجعها لمفاوضات جرت لإطلاق سراح أربعة رهائن فرنسيين، آخرون قالوا أن وجوده في العاصمة الفرنسية كان رسالة من إيران إلى باريس بالغة الوضوح.
وأياً تكن الأسباب، سيمر عقد من الزمان قبل أن تحصل الإستخبارات الأمريكية على فرصة أخرى للقبض على مغنية. عام 1995، أشارت الـCIA إلى أن مغنية يسافر باسم مستعار على متن رحلة من الخرطوم في السودان إلى طهران. إحدى رحلاته كان مقرراً لها أن تتوقف في جدة بالمملكة العربية السعودية. طلب المسؤولون الأمريكيون من نظرائهم السعوديين اعتقال مغنية، وهو ما بدت السعودية عاجزة عن تحمل تبعاته. تركت المخابرات السعودية الأمر للأميركيين، الذين أوعزوا لفرقهم بالتحرك سريعاً للصعود على متن طائرة لاعتقاله. لكن الطائرة لم تحط في جدة وتابعت رحلتها مباشرة إلى طهران.
في العام التالي، بعد شهر من حادثة تفجير أبراج الخبر بالقرب من الظهران بالمملكة العربية السعودية، ظهرت معلومات تشير إلى أن مغنية كان على متن مركب ابن طفيل في الخليج. تتبعت سفن البحرية سفينة ابن طفيل بينما أعد فريق من الكومندوس البحري خطة لاختطاف مغنية قبالة سواحل قطر. لكن العملية أُلغيت عندما اعتبر كبار صانعي القرار الأمريكيين أن المعلومات الاستخباراتية غير كافية لتبرير مثل هذه العملية المحفوفة بالمخاطر.
***
– ملامح ظلال مغنية:
يشكل عام 1985، أحد أكثر أعوام الحرب اللبنانية حساسية. شهد عام “85” انعطافات دولية وإقليمية كبرى كان لها تداعياتها على الساحة اللبنانية. دولياً شكل وفاة كل من ليونيد بريجينيف ويوري أندروبوف، ثم قدوم ميخائيل غورباتشوف من بعدهما إلى السلطة في الاتحاد السوفياتي ما يشبه إعلان نهاية السياسات السوفياتية في الشرق الأوسط. بعض الذين عاشوا تلك المرحلة من قيادات فلسطينية يروي حال الضياع الذي اعترى الاتحاد السوفياتي تلك السنوات. كان “الضياع” بادياً في رزنامة مواعيد القادة السوفيات “المخمورين طوال الوقت” في مكتب سكريتاريا الحزب الشيوعي. في فرنسا كان الصراع بين اليسار واليمين على أشده قبيل وصول جاك شيراك إلى سدة الحكومة. في الولايات المتحدة كان ريغان يعيش أوج زعامته وحضوره على مستوى العالم وفي الشرق الأوسط بشكل خاص. بدورها انعكست كل هذه المسائل على الشرق الأوسط ولبنان. على الجبهة الإيرانية العراقية قدمت فرنسا السلاح الكيميائي لصدام بعد خسارته لأجزاء من خط البصرة – بغداد السريع. في لبنان، كان الخلاف الفلسطيني السوري على أشده وهو ما تُرجم باندلاع حرب المخيمات، ثم معارك طرابلس مع حركة التوحيد. الولايات المتحدة ضغطت بدورها على سوريا من أجل القبول بمسار السلام الأميركي؛ كان الموقف السوري آنذاك ضعيفاً، لقد حوصرت دمشق بحرب داخلية شنها الإخوان المسلمون على الدولة، وحرب إقليمية شعواء مع خصمها العراقي والفلسطيني، سرعان ما تُرجمت على أرض ببيروت وشوارعها. باختصار كانت بيروت آنذاك، صندوق بريد إقليمي ودولي، وساحة لتصفية الخصوم وإدارة التوازنات.
نهاية صيف عام 1985، وعلى غير العادة، حدث في بيروت عمل من نوع مختلف. لقد تم اختطاف أربعة رهائن سوفييت صبيحة الـ30 من أيلول. كان اثنان من المخطوفين عملاء للـ”كاي جي بي” وهما أليغ سبيرن، وفاليري ميريكاف. ظهيرة ذلك النهار أعلنت “جماعة خالد ابن الوليد” مسؤوليتها عن العملية. بالنسبة لفياتشيسلاف لاشكول المستشار في جهاز الكاي جي بي حينها، كان ذلك العمل هو الأغرب والأخطر في تاريخ الدبلوماسية السوفياتية في الشرق الأوسط. كُلف العقيد يوري بيرفييف – مسؤول الاستخبارات السوفياتية في بيروت – التحقيق في الحادثة فور صدور بيان الجماعة الذي أكد على ضرورة إيقاف الهجوم السوري على “إخواننا المسلمين في طرابلس” وإلا ستعمد الجماعة إلى اقتحام السفارة السوفياتية صبيحة الجمعة التالية بعيد صلاة الفجر.
تُجمع الآراء الروسية في تحديد المسؤولية الأولى عن حادثة الـ30 من أيلول 1985 إلى الحاج عماد مغنية. أدار مغنية – بحسب الرواية الروسية – العمل بذهنية رابح – رابح. من جهة، هو كان يريد وقف المعركة الدائرة في طرابلس وإنقاذ الناس من معركة كان بامكان جميع الأطراف تفاديها. ومن جهة أخرى كان يعي أن ثمة هامشاً سورياً في المناورة مع السوفييت بعد أن وصلت العلاقة بين الطرفين إلى حال من البرود القاتل. على المستوى الإيراني، كان من شأن العملية أن تزيد من الضغط الإيراني على السوفيات من أجل إيقاف تزويد العراق بصواريخ سكود لضرب طهران. وهي الأمور التي يمكن تلمسها من خلال مسار المفاوضات وما آلت إليه.
مرة جديدة وبالعودة إلى الوثائق السوفياتية، يظهر أن تواصلاً ما كان قد أداره مغنية مباشرة، أو عبر شخصية مقربة منه، مع ياسر عرفات. يقول فاسيلي كولوتوشا، السفير السوفياتي السابق في لبنان أن مغنية كلف صديقه المقرب منه في صيدا – من المرجح أن يكون علي ديب/ أبو حسن سلامة – التواصل مع عرفات (رواية السفير كولوتشا في مذكراته تسرد الأحداث بنحو مختلف قليلاً). أما شهادة العقيد يوري بيرفييف عن الحادثة فتبدو أكثر بوليسية في هذا المجال. يقول بيرفييف أنه التقى صديق مغنية على طريقٍ عام بالقرب من صيدا. كان كلاً منهم في موكب من السيارات والناس تنتظر في “طابور” من خلفهم. المشهد تكرر بنفس النحو مع طلب غازي كنعان اللقاء بمغنية. التقى كنعان مغنية في سيارة بالقرب من منطقة الكوكودي جنوبي بيروت بعد أيام من ممطالة “الحاج” في لقائه. حتى الوقت كان له الكثير من الدلالات. لقد سمح الوقت لحافظ الأسد بأن يؤجل لقاءه مع السفير السوفياتي لمدة أسبوعين، ما فُهم بأنه رسالة امتعاض سورية من السوفييت بعد تأخرهم عن امداد سوريا بالدفاع الجوي الملائم لدمشق.
وبعيداً عن بوليسية الرواية السوفياتية، تظهر تلك الحادثة نوعاً خاصاً من الذكاء الخاص بالحاج عماد. تصف باحثة في مركز دراسات الأمن القومي في تل أبيب مغنية بالقول: لقد أجاد الوصل بين المستوى السياسي والمستوى العسكري بشكل كبير. مغنية علامة فارقة في التاريخ العسكري، مغنية علامة فارقة في التاريخ السياسي. هو لم يكن عسكرياً فحسب، هو لم يكن سياسياً فحسب. لقد كان أمة في رجل.
***
– ظل مغنية العالي:
بعيد احتلال العراق عام 2003، عاد رايان كروكر إلى بغداد ضمن الفريق الاستشاري التابع للسفارة الأميركية في المنطقة الخضراء. كان كروكر يتقصى أخبار مغنية محاولاً تقفي أثره. بعيد استشهاد مغنية يقول كروكر أنه شعر بانتهاء فصل كبير من فصول حكايته. لوهلة شعر الرجل بالنصر، لولا أن خبراً كان قد وصله مساء الثامن عشر من كانون الثاني 2015. “أغارت الطائرات الاسرائيلية مساء ذلك اليوم على موكب لحزب الله عند سفوح جبل الشيخ جنوبي سوريا ما أدى لاستشهاد جهاد عماد مغنية”. يعي كروكر جيداً أهمية جبل الشيخ، كذلك يعي الرجل دلالة الإسم. هو كان يدأب على الركض عند سفوح جبل الشيخ ناحية الأردن في السبعينيات. ظلال مغنية كانت حاضرة في ذلك المساء في خرائط كروكر وذاكرته في جبل الشيخ. ظلال مغنية يقول الحال، لا زالت حاضرة هناك، عند جبل الشيخ، وفوق وجوه قاتليه إلى اليوم.