كتب ايهاب زكي | فلسطين: معركة وجود وحرب مصير

ايهاب زكي | كاتب وباحث فلسطيني

يطفحون كالبثور على سطح الجلد، وحين تراهم تعرف المرادف الحقيقي للتقزز، وتتلمس علة قول النابغة الذبياني لمس اليد، حين قال “مطليٌّ به القار أجرب”، وتعرف لماذا كان العرب يطلون البعران الجُرب بالقار، وهؤلاء كالأباعر الجُرب، يجب طليُهم بالقار وعزلهم، حتى لا يُصاب الوعي الجمعي بجربهم.

متى وأينما وكيفما كانت المناسبة أو الحدث في فلسطين، يبدأون بالثغاء والنهيق على مواقع التواصل الاجتماعي وفي كل موقعٍ ومجلس، فلسطين ليست قضيتي، وهؤلاء قطعاً لا يمثلون شعوبهم، بل يحاولون حرف بوصلة شعوبهم، نحو “أسرلة” وعيهم وصهينة نفوسهم، ويعتبرون أنّ مهمتهم في الحياة، دفع الناس لقراءة القرآن بالعبرية الفصحى، وتلاوة آيات العروبة بـ”الإيدش” (لغة يهودية قديمة استخدمها يهود أوروبا).

وهؤلاء لا يتحركون فرادى، بل يعتمدون على توجيهات أجهزة استخبارية، سعودية إماراتية وتطبيعية عموماً، وهي بدورها تتلقى التعليمات من”الموساد” أو المخابرات الأمريكية أو كلهما، لأنهم يستخدمون استراتيجيات تم استخدامها في الحرب على سوريا، ولا يتوانون عن الكذب والتلفيق والتزوير والتشكيك، والإخفاء والتركيز والتضخيم والبتر حسب الحاجة.

كما أنّهم يحتنكون الناس من عواطفهم، ويحاولون التلاعب بمشاعرهم، فهم يحاولون دغدغة مشاعر الوطنيين، للوصول بهم لخلاصة مسلَّمة، مفادها أنّ فلسطين وقضيتها، هي النقيض للوطنية والوطن، كما أنّها الضدّ من العقلانية، والمرادف التام للسذاجة والعته.

ثم يحيلون كل مآسيهم اقتصادية كانت أم اجتماعية، إلى فكرة تحملهم أعباء القضية على مدار عقودٍ سبعة، وأنّ الخطوة الأولى للانطلاق نحو كل تنمية، هي التخلص من هذا العبء الثقيل والمزمن، رغم أن من يتبع لتلك الأنظمة يعيشون في بحبوحةٍ نافرة، لأنّ أنظمتهم فقط متواطئة منذ سبعة عقود مع الصهيونية، ولو أنّهم وأنظمتهم كما يدّعون، يقفون إلى جانب الحق العربي والإسلامي في فلسطين، لما عاشوا في بحبوحتهم.

وهؤلاء لا يدركون أنّ ما هم فيه من رغد عيشٍ، إنّما هو ثمنٌ لتواطئهم على فلسطين وقضيتها، حيث بإمكان الجميع المقارنة، بين الدول التي تجاهر بدعم فلسطين وقضيتها، والتي تعاني من ويلات الحصار والاستهداف، وبين تلك الأنظمة التي تجاهر بالتآمر على فلسطين وقضية العرب والمسلمين المركزية.

يعتمد هؤلاء في استراتيجيتهم على نظرية الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون “الجموع عاطفيون، لا يمكن قيادتها بخطابٍ عقلاني، حتى الذكاء الفردي يتم تدميره، حين ينخرط الفرد بالجمع”. وبما أنّهم يرون غوغائية الجماهير، فهم يخاطبونهم بخطابٍ غوغائي، لا عقلانية فيه، يعتمد على التجييش الساذج والفاضح، لذلك تراهم لا يرهقون أنفسهم بالتفكير العميق، حتى يتقنون ما يفعلون، لذا هم لا يدركون الفروقات أو البون الشاسع، بين كل قضيةٍ وقضية فلسطين، حيث تختلف قضية فلسطين عن كل القضايا.

وعليه لا يمكن استخدام ذات الاستراتيجية المتبعة مثلاً في “بروباغندا” شيطنة إيران، أو “بروباغندا” استهداف الدولة السورية، أو حزب الله أو الحشد الشعبي أو أنصار الله في اليمن، رغم أنّ علّة الاستهداف واحدة، وهي علّة أمريكية صهيونية، حيث تمارس تلك الأنظمة ما وُجدت من أجله، وهو تمرير كل المشاريع الأمريكية الصهيونية للمنطقة، ولكن استهداف فلسطين مباشرةً، يختلف تماماً عن استهدافها بطرقٍ ملتوية.

فلسطين عاشت مع الأمة، ولا زالت تحيا في العقول والنفوس والضمائر، وهي ليست مجرد أزمةٍ عابرة، هي معركة وجود وحرب مصير، حتى أولئك الذين لا يدركون أنّ مصيرهم عقلانياً وموضوعياً، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمآلات الصراع في فلسطين، هم عاطفياً يتمسكون بهذه القضية، بغض النظر عن مصدر هذه العاطفة، دينياً كان أو أخلاقياً أو إنسانياً.

إنّ هذه النماذج التي تطفح على الناس في كل مناسبة ومع كل حدث، يجب عزلها حتى تشعر بحالها، أو نصحها لتغيير أساليبها، وأنّ نشرح لها أنّ فلسطين أمّ القضايا لا يمكن استهدافها بالغباء والاستغباء، أو التصويب عليها بالجهالات والجهل والسخافات، وإفهامهم أنّ هذه ليست الأسلحة المناسبة، التي قد تؤتي أُكلها في شيطنة إيران وسوريا وحركات ا ل م ق ا و م ة.

والأهم أنّه يجب عليهم أن يدركوا، أنّه إذا بعض الفلسطينيين خرجوا أو دخلوا نخاع الأمة، فإنّ فلسطين كلها استوطنت نخاع الأمة وشرايينها وأوردتها، وفلسطين لا يمكن استهدافها باستهداف الفلسطينيين، حيث إنّ فلسطين تعني الأمة مجتمعة كما تعني كل فردٍ في الأمة بشكلٍ خاص، فهي قضية عامة وخاصة، جماعية وفردية، وهي كرامة الفرد وعزة الجماعة، مستقبل الفرد ومصير الأمة، كبرياء الفرد ونزق الشعوب، والشعوب التي لا نزق فيها للحرية والثورة، شعوبٌ ميتة، وهذه شعوب تحيا لقضية، اسمها فلسطين، وأفرادها تموت لتحيا قضية اسمها فلسطين.

العهد الإخباري

Exit mobile version