كتب الكسندر نازاروف | ماذا ناقش فلاديمير بوتين مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في أستانا؟

الكسندر نازاروف | كاتب وباحث روسي

هو اللقاء الثاني بين بوتين وزعيم إحدى دول الخليج خلال الأسبوع الماضي.

ولا يمكن النظر إلى هذه التطورات دون الوضع في الاعتبار رفض دول الخليج الاستسلام لطلب الولايات المتحدة الأمريكية لزيادة إنتاج النفط، وأيضا دون النظر إلى اقتراح بوتين لتركيا إنشاء مركز للغاز في تركيا، حيث يمكن تحديد أسعار الغاز لأوروبا.

إلا أن اقتراح بناء خطوط أنابيب روسية إضافية إلى تركيا في حد ذاته، ووفقا لرئيس شركة “غازبروم” الروسية أليكسي ميلر، سيستغرق من الناحية الفنية عدة سنوات حتى يتحقق.

شخصيا، أشك في آفاق المشروع فيما يتعلق بهذا الجزء تحديدا. فأولا، لا توجد ثقة في مستقبل رجب طيب أردوغان، خاصة على المدى البعيد. وربما يرضخ رئيس تركيا الجديد للولايات المتحدة ويتخلى عن الفكرة. وثانيا، فقد حدد الاتحاد الأوروبي لنفسه هدف التخلي عن الغاز الروسي في غضون سنوات قليلة، وفي المستقبل، سوف يقلل من استخدام الغاز بشكل عام. وهذا يجعل بناء أنبوب إضافي دون موفقة المستهلك، مغامرة.

يدفع ذلك نحو استنتاج أن الجزء المادي من المشروع، أي إعادة توجيه صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا للعبور عبر تركيا ليس أمرا يتعلق بالمستقبل القريب على أقل تقدير، وهذا إذا تم تنفيذه بالأساس.

ومع ذلك، فإن الجزء الثاني من الفكرة، تحديد الأسعار في المركز بتركيا، يمكن تنفيذه الآن.

ووفقا للجانب الروسي، فقد تأكد بالفعل دعم تركيا لهذه الفكرة.

تتحكم تركيا في نقل الغاز إلى أوروبا، من أذربيجان وربما في المستقبل من آسيا الوسطى وإيران والشرق الأوسط، إذا ما تم مد خطوط الأنابيب عبر أراضيها.

وبينما تزود روسيا الآن أوروبا بالغاز عبر أوكرانيا وتركيا، قد تصبح تركيا، في حالة التوقف المحتمل جدا عن العبور عبر أوكرانيا، أحد اللاعبين الرئيسيين في سوق الغاز بأوروبا.

إضافة إلى ذلك، تتمتع تركيا بعلاقات ممتازة مع قطر، وإذا انضمت الأخيرة إلى فكرة إنشاء مركز للغاز في تركيا، سيكون من الممكن الحديث عن إنشاء غير رسمي وربما رسمي لـ “أوبك الغاز”، على الأقل بالنسبة للسوق الأوروبية.

في هذا السياق يبدو القرار الأخير لـ “أوبك+” والمواجهة المتزايدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، في رأيي، ليست مصادفة، وإنما مظهر من مظاهر عملية طويلة الأمد وحتمية تاريخيا لإعادة توجيه ممالك النفط في الخليج من الولايات المتحدة إلى آسيا، وتحديدا إلى الصين. فأوروبا بأفكارها الطوباوية للتخلي عن النفط والغاز، أصبحت سوقا غير مستقرة ومحفوفة بالمخاطر وليست أولوية بالنسبة للخليج.

والخليج لا يريد التضحية بعقود طويلة الأجل مع آسيا لبضع سنوات من الإمدادات إلى أوروبا، لكنه ليس من السهل مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية بذلك شخصيا، والمشاركة في “أوبك الغاز” يمكن أن تزود دول الخليج بالدعم السياسي لمقاومة ضغوط الغرب.

في قمة أستانا، اقترح بوتين مراجعة مبادئ النظام المالي العالمي، والتي سمحت لما يسمى بـ “المليار الذهبي” العيش على حساب الآخرين. فالغرب يطبع المال من الفراغ، ويشتري به موارد طبيعية مادية حقيقية، وبطبيعة الحال فإن مصدري النفط والغاز هم الضحايا الرئيسيون لهذا الوضع، ويمكن لـ “أوبك الغاز” حماية مصالحها، كما تفعل “أوبك+”.

لا أدري ما إذا كانت تلك القضية قد نوقشت خلال الاجتماع بين بوتين وأمير قطر، رغم أنه أمر متوقع. إلا أن بوتين قد دعا أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لزيارة روسيا. وأعتقد أنه إذا تمت الزيارة في الأشهر المقبلة، فقد تصبح تلك القضية من الأولويات.

 

Exit mobile version