الكسندر نازاروف | كاتب وباحث روسي
زاد الغرب مؤخرا وبسرعة من حجم ومدى الأسلحة الموردة إلى نظام زيلينسكي، ما يدل على استعداده لتصعيد غير محدود تقريبا، وجاهزيته للمضي قدما نحو تحقيق هزيمة روسيا في أوكرانيا بأي وسيلة.
على الجانب الآخر، تم تحديد الخطوط الروسية الحمراء بشكل غامض إلى حد ما، ودونما إلحاح شديد، ولذلك أسبابه. فبالنظر إلى تفوق الغرب الموحد في الأسلحة التقليدية، فإن أي رد روسي بالوسائل التقليدية سيعني دعوة للغرب لاستخدام هذا التفوق ضد روسيا، أي أن الوضع بالنسبة لروسيا سوف يزداد سوءا. ووحدها الخيارات الخاصة باستخدام الأسلحة النووية ضد الغرب (وليس ضد أوكرانيا) هي ما يؤدي إلى عواقب سلبية كبيرة بالنسبة له، ربما تكون أكثر خطورة من تبعات ذلك على روسيا، في حين أن الخيارات المتبقية أكثر تدميرا لروسيا منها عن الغرب.
لهذا، أعتقد أن المسارات الحالية تقودنا بشكل شبه حتمي إلى حرب نووية شاملة بين روسيا والغرب.
لماذا إذن ستكون هذه الحرب نووية وشاملة منذ الثواني الأولى؟ وهل سيحدث ذلك حقا؟
كل شيء يتضح إذا ما فهمنا أسباب وأهداف هذا الصراع بين روسيا والغرب.
لقد قامت روسيا أولا، ثم تلتها الصين، بتطوير وامتلاك صواريخ فرط صوتية لا يمكن اعتراضها، فيما نجحت الاختبارات القليلة الأخيرة للأسلحة الأمريكية فرط الصوتية، ومن المحتمل أن نتوقع أن تدخل هذه الصواريخ الخدمة هذا العام أو العام المقبل، وأن تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية صواريخ فرط صوتية بأعداد كافية في عام 2025، أو على أكثر تقدير في عام 2026.
لقد أثبت الأنغلوساكسون مرارا وتكرارا في تاريخهم أنهم لا يتورعون عن إي إبادة جماعية من أجل الحفاظ على هيمنتهم وازدهارهم. وبالفعل، في نهاية الحرب العالمية الثانية، وعندما كان الاتحاد السوفيتي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لا يزالون حلفاء، بدأ الأنغلوساكسون في تطوير خطط للهجوم على الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك باستخدام الأسلحة النووية (العملية البريطانية “غير المعقولة” Operation Unthinkable، والعملية الأمريكية “إسقاط الرصاص” Dropshot)، فيما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الأسلحة النووية ضد السكان المدنيين في اليابان، في وضع كانت فيه اليابان تخسر الحرب بالفعل، ولم يكن هناك ما يهدد الولايات المتحدة الأمريكية. أي أن الشك في استعداد الأنغلوساكسون لاستخدام الأسلحة النووية ضدنا أو ضدكم في أي موقف على الإطلاق هو حماقة وانتحار، فكلمة “الإنسانية” بالنسبة لهم هي عبارة فارغة عندما يتعلق الأمر برفاهيتهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعلن جهارا نهارا في استراتيجيتها للأمن القومي عن استعدادها لاستخدام الأسلحة النووية أولا، ليس فقط للرد على تهديد وجودي، ولكن أيضا من أجل التأثير على عمليات صنع القرار في الدول غير الصديقة.
أي أن الحرب الحالية التي يخوضها الغرب هي من أجل تدمير روسيا، وليس هذا تغييرا مفاجئا أو عارضا في وعي النخب الغربية وجزء كبير من السكان، وإنما على العكس من ذلك، دائما ما ساد مزاج العداء لروسيا والرغبة في تدميرها كمكون فطري لدى الغرب لعدة قرون، وفقط في بعض الأحيان، وطوال عدة عقود بعد إحدى هزائمه أمام روسيا، كان الغرب مضطرا إلى إخفاء تلك المشاعر.
وتتطلب الطريقة الأمريكية في تحديد التهديد وجود الدافع والإمكانية للقيام بعمل عدائي، وقريبا ما سيكون لدى الولايات المتحدة الدافع والإمكانية.
حيث أنه مع ظهور الأسلحة فرط الصوتية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، سيصبح الهجوم النووي الاستباقي الأمريكي ضد روسيا تهديدا حقيقيا، وفي رأيي، لا مفر منه. الشرط الإضافي الوحيد المطلوب هو وضع الصواريخ بالقرب من مراكز صنع القرار الروسية، بحيث تمنع الضربة الاستباقية “الوقائية” الرد الروسي لحظيا، أو تخفض منه بشدة.
ولما كانت المسافة ما بين موسكو حتى الحدود الأوكرانية تبلغ 400 كيلومترا، فإن مدة قطع الصاروخ فرط الصوتي للمسافة بين أوكرانيا وموسكو تبلغ 2-3 دقائق، وهو ما قاله بوتين لبوريس جونسون، الذي اعتبر ذلك لغبائه تهديدا شخصيا له.
في واقع الأمر، لا يخفي بوتين أي شيء ويتحدث بصراحة، وهذا التهديد بعينه من الغرب هو الذي ذكره باعتباره التهديد الرئيسي في محادثاته مع القادة الغربيين حول أوكرانيا. وهذا السبب بالتحديد، المتمثل بإصرار الغرب في الحصول على فرصة أحادية الجانب لتدمير روسيا بضربة نووية استباقية، هو الذي يكمن وراء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
إلا أنه، بالإضافة إلى أوكرانيا، يوجد أيضا دول البلطيق وفنلندا وأوروبا الشرقية ككل، حيث يمكن للصاروخ الأمريكي فرط الصوتي الوصول من بولندا إلى موسكو في 6 دقائق، ومن الصعب للغاية اتخاذ قرار بشأن ضربة انتقامية خلال هذا الوقت، بل وهناك خطر تدمير نووي متبادل بسبب خطأ غير مقصود.
ولم يكن من قبيل المصادفة أن الإنذار الذي وجهته روسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية و”الناتو” في ديسمبر عام 2021 تضمن المطالبة بعودة الحلف إلى حدود عام 1997، أي إلى حدود لا تشمل جميع دول أوروبا الشرقية.
لذلك، فبعد تحرير أوكرانيا، لن تغلق القضية، بل ستظهر قضية ضمان عدم وجود صواريخ أمريكية في كل أوروبا الشرقية والدول الاسكندنافية. بالنسبة لروسيا، تلك قضية حياة أو موت، إلا أن الغرب، من جانبه، لا يظهر فقط عدم استعداده للتسوية، وإنما يزيد أيضا من جهوده لهزيمة روسيا في أوكرانيا، وهو ما يعني تدمير روسيا بعد قليل من الوقت.
وقد حاول فلاديمير بوتين مرارا وتكرارا التفاوض من أجل حلول وسط مع الغرب، بما في ذلك استعداد روسيا لقبول الوضع المحايد لأوكرانيا، وشدد الرئيس الروسي مرارا وتكرارا على أن روسيا لا تلوح بالأسلحة النووية، وتتصرف بمسؤولية.
لكن التوسع السريع من جانب الغرب في حجم ومدى الأسلحة المقدمة لأوكرانيا يدفع روسيا دفعا نحو مسار الصدام النووي.
في ديسمبر الماضي، أعلن بوتين إعلانا مفاجئا بأنه إذا لم تستخدم روسيا أسلحتها النووية أولا، فمن المؤكد أنها لن تستطيع استخدامها ثانيا. ثم أوضح أن العقيدة الأمريكية الخاصة بضربة نووية استباقية في الظروف الراهنة تجبر روسيا أيضا على النظر في إمكانية تطبيق مثل هذه العقيدة، لأنه بعد الضربة الاستباقية الأمريكية لن يكون لدى روسيا فرصة للرد.
لا أميل إلى تسمية تحذير بوتين بالأخير، إلا أنه إشارة واضحة للغرب حول كيفية رؤية روسيا للتطور المستقبلي للأحداث. اسمحوا لي بتذكيركم بأنه في نهاية يناير الماضي، أجرت الفرقاطة الروسية الأدميرال غورشكوف، المجهزة بصواريخ “تسيركون” فرط الصوتية مناورات في الجزء الغربي من المحيط الأطلسي على مسافة طلقة واحدة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وكان من الممكن أن تكون كل هذه المحادثات نظرية لو لم يتبع الإنذار الروسي في ديسمبر 2021 بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
بل أذهب في القول إن لدى الأطراف الآن سنتان كحد أقصى للحديث. بعدها، فإن انعدام الثقة المتبادل والهستيريا المتزايدة المعادية لروسيا في الغرب ستجعل الضربة الاستباقية من قبل أحد الطرفين أمرا لا مفر منه تقريبا. في الوقت نفسه، قد لا يؤدي إلى ذلك الهزيمة الافتراضية لروسيا في أوكرانيا فحسب، بل حتى الحفاظ على مناطق السيطرة الحالية أو النجاحات المحدودة لروسيا في أوكرانيا قد يدفع نحو هذا السيناريو.
وهكذا، يبدو لي أن نجاح الهجوم الروسي المتوقع هذا العام، ورد الفعل الغربي المتحفظ عليه، واستعداده للتنازل سيكون فرصتنا الوحيدة حتى للبدء في الابتعاد عن السيناريو النووي. في الوقت نفسه، وبالنظر إلى التصريحات العدائية للزعماء الغربيين، وعلى رأسهم بولندا، فإنني أقدر أن هذه الفرصة ضئيلة. حتى الآن، لا يوجد سبب لتوقع وقف التصعيد من قبل الغرب.
بل إن زيادة الإمدادات الغربية من الدبابات والطائرات والصواريخ بعيدة المدى تشير إلى استعداد الغرب لزيادة التصعيد وترجح أن تؤدي النجاحات الروسية إلى دخول القوات البولندية وربما القوات الغربية الأخرى إلى أوكرانيا.
بالتالي فمن غير المرجح أن تنتهي الحرب هذا العام، لكن، إذا لم تنته خلال العامين المقبلين بانتصار كامل لروسيا والوفاء بالإنذار الروسي، فقد وصفت سلفا توقعاتي لمسار الأحداث.