كتب الكسندر نازاروف | حسناً، تأجلت نهاية العالم قليلاً..
الكسندر نازاروف | كاتب وباحث روسي
نشرت الحكومة الروسية، يوم الخميس، قائمة بالسلع التي يحظر تصديرها إلى دول خارج المجموعة الاقتصادية الأوراسية، ولم يرد ذكر النفط أو الغاز وغيرها من السلع الاستراتيجية الأخرى.
تضمنت السلع سلعاً طبية ومعدات تكنولوجية وغيرها، يحظر تصديرها إلى أي من الدول خارج المجموعة التي تضم روسيا وبيلاروس وأرمينيا وعدد من دول آسيا الوسطى.
تضمن مرسوم بوتين، الذي نشر قبل أيام قليلة، أنواعاً مختلفة من المواد الخام. علاوة على ذلك، كان من المفترض أن يكون الحظر على الصادرات لا إلى دول العالم قاطبة، وإنما ضد الدول المعادية. يرجح ألا يكون قرار الحكومة المعلن هو الأخير، وأن قائمة المواد الخام التي سيتم حظر تصديرها إلى دول معادية ستصدر كذلك في الأيام المقبلة.
مع ذلك، عقد بوتين، يوم الخميس، اجتماعاً مع الحكومة بشأن إجراءات التغلّب على تداعيات العقوبات. وشدّد فيه على أن روسيا تواصل إمداد أوروبا بالغاز وفقاً للعقود الموقعة، وهو ما يشير إلى أنه حتى لو ظهرت قائمة بالمواد الخام المحظورة، فمن غير المرجح أن يذكر فيها الشيء الرئيسي: النفط والغاز. أي أن روسيا سوف تستمر في إمداد الغرب بالنفط والغاز في الوقت الحالي.
أعتقد شخصياً أنه يتعيّن علينا الضرب بكل قوتنا الآن. ومع ذلك، يبدو لي أنني أفهم منطق الرئيس، وأرى ثلاثة عوامل يمكن أن تجعل اختيار بوتين عقلانياً:
العامل الأول، في نزاع بين قوتين نوويتين عظميين، يتجنب الطرفان المواجهة العسكرية المباشرة، حيث يخشيان التصعيد إلى حد التبادل النووي. تستمر الحرب بجهود زعزعة استقرار الوضع الداخلي لكليهما.
كانت القضية الرئيسية التي استغرقت الوقت الأطول في خطاب بوتين المتلفز أثناء الاجتماع الحكومي هي أن روسيا ليست السبب في ارتفاع أسعار النفط والغاز العالمية.
وإذا كان الرئيس بوتين يرغب في زعزعة استقرار الوضع الداخلي في الغرب، فهو لا يرغب سوى أن يجعل المواطنين في الغرب يلومون حكوماتهم في التدهور الحاد في حياتهم، وليس روسيا. وإلا، سيتحقق العكس من ذلك، وستتماسك الشعوب حول حكوماتها ضد العدو الخارجي، وسيزداد استقرار الأنظمة الغربية.
أنا على قناعة، وكتبت أكثر من مرة أن الغرب، ونتيجة لنمو هرم الديون، وقضية الأموال غير المغطاة، يقترب من كارثة اقتصادية، أصبح من المستحيل في ظلها الاستمرار في سياسات التيسير الكمّي، أي طباعة النقود غير المغطاة، لأن التضخم ينمو بسرعة كبيرة. لكن من المستحيل أيضاً التوقف عن طباعة تلك النقود ورفع سعر الفائدة على القروض، حيث يهدد ذلك بانهيار سوق الأوراق المالية وإفلاس هائل للاقتصادات الغربية.
أي أنه لم يعد من الممكن الآن منع انهيار الاقتصاد العالمي، يمكنك فقط محاولة نقل المسؤولية عنه من الولايات المتحدة الأمريكية إلى وجهة أخرى. وقد نجح الغرب في أن ينحت من روسيا شيطاناً رجيماً بشكل مكثف في السنوات الأخيرة، لتصبح روسيا النموذج المثالي لذلك الجاني. وقد أعلن بايدن بالفعل أن التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي وصل مستوى لم يصله منذ 40 عاماً، هو نتيجة للعقوبات ضد روسيا.
ولسوء الحظ، تمكن الغرب من إثارة صراع في أوكرانيا بمشاركة روسيا، ليصبح الهدف التالي للنخب الغربية الآن هو إلقاء اللوم على روسيا في اقتراب الانهيار القادم للاقتصاد العالمي.
يبدو أن مهمة بوتين ليست انهيار الاقتصاد الغربي، بقدر ما تتمثل في زعزعة استقرار الأنظمة الحاكمة هناك. وللاضطلاع بهذه المهمة، فإن إغلاق النفط والغاز الروسي سابق لأوانه.
العامل الثاني، فإن بوتين قام بتأجيل حل القضية الأوكرانية زهاء 8 سنوات، حتى وصلنا إلى اللحظة التي أصبح من الواضح فيها فعلياً أن كييف سوف تشن هجوماً على إقليم الدونباس في غضون أسبوعين، وسيتعين خوض المعارك حينها في شوارع دونيتسك ولوغانسك، بالإضافة إلى أن عنصر المفاجأة حينها كان سوف يكون من نصيب الجانب الأوكراني.
استغل بوتين هذه السنوات الثمان في بناء القوة العسكرية لروسيا وإنشاء هياكل وقدرات مالية واقتصادية موازية. فكما نرى يعمل النظام المصرفي الروسي على نحو طبيعي على الرغم من الانفصال عن نظام “سويفت”، أي أن الاستعدادات للحرب كانت ناجحة.
في اجتماعه مع الحكومة، كان الرئيس هادئاً تماماً. إن تقييمي الشخصي للوضع الاقتصادي الراهن في روسيا بأنه خطير، إلا أنه ليس كارثياً. في الأسابيع المقبلة سنواجه إغلاقاً مؤقتاً لصناعة السيارات وعدد من الصناعات المحلية الأخرى التي تعتمد على المكونات المستوردة. سيستغرق التكيّف مع الظروف الجديدة بشكل جيد لا ستة أشهر أو سنة بل ربما أكثر من ذلك. وسوف تكون التوترات الاجتماعية هائلة. وفي تلك الأوقات يفضّل أن يكون اقتصاد العدو غير مستقر وغير عامل. ومع ذلك، يبدو أن بوتين لديه ثقة في أن روسيا ستكون قادرة على البقاء خلال هذه الفترة. في الأغلب أنه يعرف أكثر مني عن الاحتياطيات والفرص المتاحة للبلاد.