العميد شارل ابي نادر | باحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية
العنوان كبير، وربما يراه المتابعون غير واقعي، وربما يرون أنّ من الصعب تحققه، بأن يكون للبحرية الإسرائيلية نقطة ارتكاز رئيسية في الخليج، وعلى بعد أقلّ من 200 كلم من سواحل إيران الغربية، انطلاقاً من البحرين، وبمعنى آخر، أن تُستبدل بوحدات الأسطول الخامس المرابضة على سواحل البحرين، من قيادة وغرفة عمليات وتنسيق ومراقبة، إضافةً إلى بقعة تجمّع وانطلاق واستراحة وصيانة وتموين لأكثر من 17 سفينة حربية وحاملة طائرات لـ70 قاذفة وغواصة وعدة مدمرات مختلفة المهام، قطعٌ محددة من البحرية الإسرائيليّة لا يمكن أن تتجاوز الـ10، بين غواصات متوسطة القدرات أو مدمرات أو سفن قتال ودعم بحري.
في الحقيقة، هناك الكثير من المعطيات والوقائع التي قد تتيح لهذا الأمر أن يكون ضمن المخططات التي تعمل عليها “إسرائيل” بدفع ورعاية ودعم أميركي، لو تمت متابعتها بشكل مفصّل ودراسة حيثياتها، وهي:
أولاً: في 5 أيلول/سبتمبر 2021، تسلَّمت القيادة المركزية الأميركية رسمياً المسؤولية عن علاقة الجيش مع “إسرائيل”، خلفاً للقيادة الأوروبية للجيش الأميركي، بعد حوالى 8 أشهر من إعلان خطط للقيام بهذه الخطوة (تم الإعلان عن الخطوة في بداية العام 2020)، والتي هدفت إلى “تعزيز العلاقة الدفاعية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي ستوفّر فرصاً لتعميق التعاون العملياتي بين الجيش الإسرائيلي والعديد من شركاء القيادة المركزية الأميركية في المنطقة”، كما جاء في بيان القيادة المركزية الأميركية حينها.
تقريباً، وبالتزامن مع التسلّم الرسميّ لمسؤولية القيادة الأميركية المركزية لعلاقة الجيش الأميركي مع “جيش” الكيان، دشّن الأسطول الخامس الأميركي قوةً جديدةً تحمل الرقم 59، هدفها دمج الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي بسرعة نطاق العمليات البحرية للأسطول.
حينها، قال قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية في بيان: “المحصّلة النهائية لسبب قيامنا بذلك هي أنه يمكننا تطوير ودمج الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي كوسيلة للقيام بأمرين؛ أولاً، تعزيز وعينا بالمجال البحري، وثانياً زيادة الردع، وأن فريق عملنا سيعتمد بشكل كبير على الشراكات الإقليمية والتحالفات”، مُضيفاً أن “إطلاق فرقة العمل 59 ينشّط حقاً شراكاتنا حول المنطقة التي تغطيها عمليات الأسطول الخامس: منطقة الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي”.
وللمفارقة أيضاً، تمت حينها الإشارة رسمياً، عند تشكيل الوحدة 59، إلى أنَّها ستشارك كقوة رئيسية في التمارين والمناورات البحرية (أي أم إكس 22)، والتي ستجري في بداية شباط/فبراير 2022 في منطقة عمليات الأسطول الخامس بين البحر الأحمر والخليج وشمال المحيط الهندي، بمشاركة 60 دولة من المنطقة وخارجها، إضافةً إلى “إسرائيل”، ليتمّ الإعلان عن بدء تنفيذ المناورة بالتزامن تقريباً مع توقيع معاهدة أمنية بين البحرين و”إسرائيل”، تقوم على تكليف الأخيرة بتنظيم وحدة الأمن الاستراتيجي في البحرين وتجهيزها، وليتوَّج توقيع هذه المعاهدة بحضور وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس إلى المنامة ومشاركته، إضافةً إلى توقيع الاتفاقية الأمنية، بقيادة وتنسيق عمليات المناورة المذكورة، وبالتواصل المباشر مع أغلب قادة الجيوش أو قادة الوحدات البحرية للدول المشاركة في المناورة (60 دولة).
في الواقع، لا يمكن القول إنَّ جميع هذه الأحداث أو الوقائع تزامنت مع بعضها البعض بالصدفة: نقل “إسرائيل” إلى المنطقة المركزية، وإنشاء الوحدة 59 التابعة للأسطول الخامس، وتحديد مهماتها في القطاع البحري نفسه الذي تم تحديده كقطاع عمل مناورة (إي أم أكس 22) بحضور أساسي لـ”إسرائيل”، وبمشاركة 60 دولة، أغلبها لا تقيم علاقات رسمية معها، وبالتزامن مع حضور غانتس إلى البحرين وتوقيع معاهدة أمنية استراتيجية بين البحرين و”إسرائيل”، من أهم أهدافها، وفق موقع “إسرائيل ديفنس”، “تخصيص ميناء بحري في البحرين، بهدف استغلاله أو استخدامه كقاعدة عمل لسلاح البحرية الإسرائيلية بشراكة أو وساطة أميركية وموافقة بحرينية.
طبعاً، هي وقائع مخطّطة ومدروسة، ولا يمكن إلا ربطها ببعضها البعض بشكل كامل، بهدف خلق جو ملائم من التقارب بين “إسرائيل” وأغلب دول المنطقة، من باب التطبيع غير المباشر، تحت طابع تنسيق عسكري وأمني سيكون شبه مفروض على هذه الدول، لحاجتها إليه أساساً من الناحيتين العسكرية والأمنية، وتحت ضغوط أو “تمنيات حاسمة” أميركية غير مباشرة، وستتطور هذه العلاقات مع الوقت. ومن خلال التنسيق العسكري والأمني مع “إسرائيل”، تكون أغلب هذه الدول قد انخرطت في علاقة مقبولة مع “تل أبيب”.
وهكذا، بالتزامن مع التقدّم المرتقب والمقبول في العلاقات بين “إسرائيل” وهذه الدول، وهي في أغلبها دول ساحلية على البحر الأحمر أو على الخليج أو على شواطئ المحيط الهندي الشمالية (قطاع عمل الأسطول الخامس وقطاع المناورة الحالية)، وعلى المقلب البحري في المنامة، واستناداً إلى الاتفاق الأمني الاستراتيجي بين الإمارة و”إسرائيل”، مضافاً إلى اتفاقية “السّلام” أو اتفاق “أبراهام” بين الطرفين، يتطوّر ويتزايد أكثر التّواجد البحري الإسرائيلي. وانطلاقاً من الاتفاقيّة الاستراتيجيّة الأمنيّة والقاعدة البحرية الإسرائيليّة، يرتفع رويداً رويداً مستوى الحضور والدور الإسرائيلي في الخليج.
وفي الوقت نفسه، وهذا هو بيت القصيد من المناورة الأميركية – الإسرائيلية المشتركة التي خُطط لها، كما ذُكر أعلاه، والتي انطلقت حالياً، كما يبدو، ينخفض رويداً رويداً مستوى الحضور البحري الأميركي في الخليج، وتحديداً في البحرين، لتكون “إسرائيل” القوة الضاربة البحرية البديلة مكان الأميركيين في الخليج، وذلك تحت الكثير من العناوين؛ أولاً، تعزيز الجهود والقدرات البحرية الأميركية شرقاً بمواجهة الاشتباك الاستراتيجي ضد الصين، والذي يتطور يوماً بعد يوم، الأمر الذي سيستدعي خفض قدراتهم البحرية في الخليج، وثانياً، تحت عنوان تقديم جائزة ترضية لـ”إسرائيل” على خلفية ما سيشكّله إبرام الاتفاق النووي من نكسات أو خيبات لها، وهي لم تكن لتقبل به من دون أن تحصل على هذه الهدية الاستراتيجية من واشنطن بديلاً لذلك.