العميد الركن الياس فرحات | باحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية
جرت العادة أن تعبير الحقل النفطي أو الغازي (البحري) يُطلَق على مسطح مائي جرت فيه عمليات متدرجة من مسوحات وإستكشاف ثم حفر وتنقيب وإستخراج وتبين بنتيجة هذه العملية وجود مواد هيدروكاربونية اي نفط وغاز في مكمن معين، وعندها يُعطى تسمية معنية، لكن أن يُطلق الإسم على حقل قبل هذه العمليات كلها، فهذا أمر غير مسبوق أبدا. وبالتالي علينا أن نتساءل من اكتشف هذا الحقل؟ ومن أعطاه هذا الاسم؟ ومتى حصل هذا الاكتشاف؟ ولماذا لم يعلن في حينه ولماذا جرى تسريب التسمية (حقل قانا) بحياء وخفر؟ لنبدأ من السؤال البديهي: هل جرت أعمال إستكشاف أو حفر في ما يسمى “حقل قانا”؟ يجمع المعنيون أنه لم يجر حتى الآن أي حفر في المسطح المعروف حالياً بـ”حقل قانا”، وهو عملياً قسم من مسطح البلوك رقم ٩، مع إضافة إليه جنوب الخط 23؛ اما حقل كاريش الذي يوضع قبالته، فقد جرت فيه أعمال إستكشاف وحفر منذ عام ٢٠١٨ وتبين وجود مواد هيدروكاربونية فيه ومؤخراً حضرت عوامة من نوع FPSO من اجل استخراج النفط والغاز المكتشف ونقله (Floating Product Storage Offloading). وإزاء شيوع استعمال كلمة “حقل قانا”، يبرر البعض ان المسح الزلزالي اظهر وجود المواد الهيدروكاربونية، لكن حقيقة الأمر أن المسح الزلزالي اظهر وجود هيدروكاربون في جميع البلوكات اللبنانية قبالة الشاطىء اللبناني التي رقمتها السلطات اللبنانية المختصة (الجيش ووزارة الاشغال والنقل) بما فيها البلوك الرقم اربعة الذي تبين بعد الحفر الإستكشافي فيه من قبل شركة “توتال” الفرنسية، قبل نحو ثلاث سنوات، وجود آثار هيدروكاربونية فيه، لا ترقى لا للإستخدام المحلي ولا للإستخراج! ما الذي يمنع ان يكون ما يسمى “حقل قانا” مثل كل البلوك رقم اربعة وكيف يضمن من يستعمل تعبير “حقل قانا” وجود مواد هيدروكاربونية فيه؟ إن من يضع معادلة “حقل قانا مقابل حقل كاريش” كأنه يبادل السمك بالبحر من جهة لبنان بسمك موجود في السلال في الجانب الإسرائيلي! ازاء هذا الترويج الواسع لتعبير “حقل قانا”، ارى انه يتوجب على الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارات الإعلام والدفاع والأشغال إصدار التوضيحات اللازمة لكل الذين يتوهمون وجود حقل هو غير موجود أصلاً طالما لم نستكشف ونحفر ونستخرج. هذا الموضوع دقيق جدا ولبنان لا يحتمل خدعة او تضليلاً من الجهة التي روّجت لهذا المصطلح، فقد أهدرنا ما يكفي من الوقت ولكن لا يجوز أن نضيع حقوقنا. يبقى ان نشير الى أن ثمة من يشكّك بشركة “توتال” بقوله إنها اكتشفت موادا هيدروكربونية في البلوك رقم 4 ولم تعلن عنها وهذا ما يدخلنا في نظرية المؤامرة بعدما بالغ الاعلام في تقدير كميات النفط والغاز في هذا البلوك وأدخل لبنان في نادي الدول الغازية والنفطية، ليتبين في ما بعد انه لا يوجد شيء. ومن المعروف أن الشركات الكبرى لا تتعامل بهذا المنطق خصوصا بعدما تكبدت عشرات الملايين من الدولارات لتجهيز منصة في البلوك رقم 4 قبالة الشاطئ اللبناني. عملاً بمبدأ الشفافية الذي يطالب فيه اللبنانيون يجب ألا نبيع الناس اوهاماً وان تسارع الجهات المعنية في الدولة لتوضيح قصة هذا الحقل الذي باتت تلهج به السنة اللبنانيين كواقع مفترض وخصوصا تحديد متى تم اكتشاف هذا “الحقل” واطلاق تسمية قانا عليه!
موقع 180 بوست