العميد الركن الياس فرحات | باحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية
أعلنت شركة “Energean” عن انطلاق أولى شحنات صادرات النفط الإسرائيلية من حقل كاريش، وجرى تحميل أول شحنة نفط خام يوم الاثنين الماضي في 13 شباط/فبراير من سفينة الإنتاج والتخزين والتفريغ العائمة FPSO (Floating, Product Storage, Offloading) وهي سفينة عملاقة استخدمت لتطوير حقل كاريش، الى ناقلة النفط “Seliger Aframax “القادرة على حمل نحو 700 ألف برميل من الخام والتي ظهرت في صور الأقمار الاصطناعية بجوار السفينة العائمة في وقت متأخر من مساء يوم الأحد 11 شباط/فبراير لكن الملاحظ أنها أوقفت جهاز التتبع الخاص بها على GPS. وأشارت “Energean” إلى أن “Vitol”، وهي شركة متخصصة بتداول وتسويق النفط والغاز في العالم ستتولى تسويق انتاج النفط والغاز من حقل كاريش إلى أوروبا وسائر أنحاء العالم. وكانت الولايات المتحدة قد توسطت بين لبنان وإسرائيل لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر وتوصلت في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2022 إلى توقيع اتفاق ترسيم خط الحدود البحرية ينطلق من الحدود اللبنانية الفلسطينية في الناقورة إلى النقطة 23 (تحفظ لبنان على مساحة 2.5 كلم مربع من المسطح المائي غرب الناقورة). أدى هذا الإتفاق إلى السماح لإسرائيل باستخراج النفط والغاز من حقل كاريش المحاذي والسماح للبنان بإطلاق أعمال المسح والإستكشاف والتنقيب في البلوك رقم 9 اللبناني. في إسرائيل تم اكتشاف النفط والغاز في كاريش عام 2019 ومنذ ذلك الوقت وهي تتمهل في إستثمار الحقل خشية الإحتكاك مع لبنان ممثلاً بالمقاومة التي كانت إسرائيل تدرك أنها تمتلك القوة اللازمة لتعطيل الإنتاج في هذا الحقل وباقي منصات إنتاج الغاز قبالة الساحل الفلسطيني المحتل. وردت معلومات ان حفارة الإستكشاف التي من المقرر ان تعمل في البلوك رقم 9 ستكون لمتعهد اميركي يكون بمثابة متعهد بالباطن اي Subcontractor مع “توتال”. وهذا إن دلّ على شيء إنما على حرص الأميركيين على أن يكون لبنان جزءاً من شبه حالة الطوارئ الدولية في قطاع الطاقة أما على الجانب اللبناني، فلم تبدأ بعد عمليات الحفر الإستكشافي في البلوك رقم 9، لكن وزير الطاقة توقع أن تبدأ مطلع الصيف المقبل وأن تنتهي قبل نهاية السنة الحالية. ما هي الملابسات المحيطة باستخراج النفط والغاز في إسرائيل ولبنان؟ تستخرج إسرائيل من حقل كاريش الغاز الطبيعي ونوعاً من الغاز المكثف الخفيف السائل. بالنسبة للغاز الطبيعي، بدأ انتاجه في تشرين الأول/اكتوبر 2022 ويجري ضخه عبر أنبوب خاص إلى ساحل فلسطين ومن هناك تم ربطه بالأنبوب المتوجه إلى مصر والاردن بالإضافة إلى الأسواق المحلية. أما الغاز السائل، فيُصار إلى تخزينه في السفينة العائمة إلى حين وصول ناقلة نفط إلى جوار هذه السفينة كما حصل نهار الاثنين في 13 شباط/فبراير الماضي ثم ضخه إلى الناقلة وبيعه في الأسواق العالمية. وفي حال لم تسمح الأحوال الجوية والبحرية باقتراب الناقلة من السفينة العائمة يتم ضخ سائل الغاز المكثف من الحقل إلى خزانات على الساحل وترسو ناقلة النفط ويتم ضخه إليها. وفيما وضعت إسرائيل حقل كاريش على خط انتاج النفط والغاز بصورة عملية، فإن شركة “توتال انرجي” متعهد البلوك رقم 9 مع الشريكين الإيطالي (إيني) والقطري (قطر للطاقة) سوف تبدأ بالحفر الإستكشافي في البلوك رقم 9 في مطلع الصيف المقبل. وحتى الآن لم نسمع عن تأخير مبرر أو متعمد في مواعيد الشركة الفرنسية، لا بل جرى التأكيد أكثر من مرة على إلتزام الشركة الفرنسية بالمواعيد المحددة. إبحث عن أميركا! ومن المعروف أن الولايات المتحدة تمتلك نسبة من الأسهم في كبريات الشركات الأوروبية الكبرى مثل “ايرباص” و”شل” ومن بينها “توتال انرجي” الفرنسية. لذا، من المرجح أن يكون للموظفين الأميركيين الذين يمثلون المساهمين الأميركيين الموجودين دور مهم في قرارات الشركة المستقبلية في ما يخص المراحل التنفيذية لبنانياً. الولايات المتحدة تمتلك جزءاً من قرار شركة “توتال” الفرنسية التي سوف تستخرج غاز لبنان، أي أن هذا الغاز لن تخرج منه نقطة خارج سياق الأجندة الأميركية لتوزيع الطاقة في العالم وقد وردت معلومات ان حفارة الإستكشاف التي من المقرر ان تعمل في البلوك رقم 9 ستكون لمتعهد اميركي يكون بمثابة متعهد بالباطن اي Subcontractor مع “توتال”. وهذا إن دلّ على شيء إنما على حرص الأميركيين على أن يكون لبنان جزءاً من شبه حالة الطوارئ الدولية في قطاع الطاقة، والتي أعلنوها منذ إندلاع الحرب الاوكرانية حتى يومنا هذا، حيث يستمر السعي الأميركي إلى تقييد ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه، محاولة التحكم بقرار توزيع الطاقة في العالم، ولا سيما أوروبا الغربية والوسطى، سواء عبر سفن محملة بالغاز السائل من الولايات المتحدة أو الجزائر أو مصر أو غيرها إلى مختلف هذه الدول. إقرأ على موقع 180 إيران تقترب من اللاعودة نووياً.. والبديل إتفاق جديد ولن يكون غاز لبنان الموعود مستقلاً عن القرار الأميركي، خصوصاً أن شركة “توتال” الفرنسية التي تمتلك الولايات المتحدة جزءاً من قرارها هي التي سوف تستخرجه، أي أن هذا الغاز لن تخرج منه نقطة خارج سياق الأجندة الأميركية لتوزيع الطاقة في العالم. ضغوط تقنية وسياسية وبطبيعة الحال، ثمة متطلبات تقنية أبرزها بناء سفينة عائمة للإنتاج والتخزين والتفريغ تصل كلفتها الى نحو مليار دولار وتتطلب صناعتها وقتاً طويلاً فضلاً عن الحاجة إلى من يستثمر فيها. يُضاف إلى ذلك ضرورة بناء أنبوب لنقل الغاز الطبيعي من الحقل إلى خزانات مؤهلة على الساحل اللبناني، فضلاً عن متطلبات لوجستية أشارت إليها هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان على موقعها الإلكتروني. عندما يبدأ الحفر يتوجب على السلطات اللبنانية مواكبة كل هذه التطورات وتحضير كل مستلزمات الإستخراج والتخزين والنقل، علماً ان الولايات المتحدة تتحكم بقرار معظم هذه الاعمال. يمكننا الاستنتاج أن الأعمال التقنية لاستثمار البلوك رقم 9 وباقي البلوكات في مراحل لاحقة تخضع للمسار السياسي في المنطقة والعالم ولموازين القوى الاقليمية والدولية وخصوصاً دور الولايات المتحدة العالمي (آموس هوكشتاين وظيفته US Special Envoy and Coordinator for International Energy Affairs أي المبعوث الخاص للولايات المتحدة لتنسيق شؤون الطاقة في العالم). أخيراً؛ لماذا تحدث رئيس “توتال” في زيارته الأخيرة إلى لبنان باللغة الانكليزية خارقاً التقليد الفرنسي الموروث حيث تتمسك الوفود الفرنسية بلغتها الوطنية في الاجتماعات الدولية؟ هل هي إشارة إلى توازنات جديدة في “توتال”؟ إن مسار المفاوضات الذي قادته الدولة اللبنانية بالتناغم مع المقاومة، بما فيه من مواقف دبلوماسية وإظهار قوة، قد أدى الى التوصل الى اتفاق ترسيم الحدود البحرية، فهل نحن بحاجة الى مواقف دبلوماسية تقنية للدولة مترافقة مع مظاهر ردع وقوة للمقاومة من أجل ضمان سلاسة عملية الإستكشاف عن النفط وصولاً إلى إستخراجه؟ هل تتعمد الولايات المتحدة والشركات العاملة عرقلة استخراج النفط والغاز في لبنان بحجج بيروقراطية ومالية وتقنية، وهل يمكن أن يؤدي هذا التعثر الى وقف استخراج النفط في شرق المتوسط بأسره؟
مسار استخراج الغاز اللبناني.. آفاق نجاحه أو تعثره | 180Post