كتب العميد الركن الياس فرحات | أبعاد خطاب السيد العسكرية.. من التسوية إلى الحرب!
العميد الركن الياس فرحات | باحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية
تتصدر أزمة الطاقة في أوروبا تداعيات الحرب الاوكرانية. أوروبا بحاجة الى غاز بديل للغاز الروسي يقيها شر البرد من جهة ويُسرّع في إنهيار الإقتصاد الروسي من جهة ثانية.. لكن هذه الرغبات الأميركية ـ الأوروبية شيء والإمكانيات شيء آخر.
الغاز في شرق المتوسط هو من ضمن البدائل التي يبحث عنها الأميركيون والأوروبيون. سارع الاتحاد الاوروبي إلى توقيع اتفاق مع مصر واسرائيل لنقل الغاز من اسرائيل الى مصر وتسييله وشحنه الى اوروبا وبالطبع بكلفة مرتفعة لأسباب عديدة. في العام 2013 اثمرت اعمال الحفر الإستكشافي في المسطح المائي الذي عرف بكاريش (تتنازع اسرائيل ولبنان ملكيته وتأكد ذلك اثناء المفاوضات غير المباشرة في الناقورة) التثبت من وجود مواد هيدروكاربونية من نفط وغاز. يبلغ احتياطي حقل كاريش المتنازع عليه نحو 1.3 تريليون متر مكعب من الغاز. تمتلك شركة “نوبل إنرجي” الأميركية حصة 47.06% من المشروع؛ “أفنير” الإسرائيلية 26.47%؛ “دلك” الإسرائيلية 26.47%. تتولى “نوبل إنرجي” مهمة التشغيل، ولذلك، إستقدمت شركة “إنرجيان باور” منصة عائمة لاستخراج الغاز. حدّدت وزيرة الطاقة الاسرائيلية كارين الهرار أوائل شهر سبتمبر/ايلول المقبل موعداً لبدء استخراج النفط والغاز من كاريش. في هذا الوقت، يقوم الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين بوساطة بين لبنان واسرائيل من اجل ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين. هذه الوساطة أتت تعبيراً عن إستعجال الولايات المتحدة مهمة الترسيم بغية تمكين اسرائيل من المباشرة باستخراج النفط والغاز. هذه المهمة بدأت قبل حرب أوكرانيا، لكنها إتخذت زخماً مختلفاً بعد الحرب. الأولوية اليوم هي لتعويض اوروبا الغاز الروسي.
السؤال الذي يطرح نفسه هل يخاطر اصحاب المنصة بهذه المنشأة العملاقة ام لديهم تطمينات من شركة “نوبل انرجي” بتسوية ما وبالتالي لا خوف على المنصة؟ سؤال اخر يطرح ما هو موقف شركات التأمين في حال حدوث اشتباك وتضرر المنصة؟
لبنان يريد المحافظة على حقوقه، وفقاً لقانون البحار، ولذلك اعتبر حقل كاريش منطقة متنازعاً عليها. لبنان بحاجة ماسة لاستخراج النفط والغاز من اجل طرق أبواب الخروج من الانهيار الاقتصادي. لبنان يريد السماح لكونسورتيوم إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية ونوفاتيك الروسية بما نصت عليه العقود معها من حفر إستكشافي وتنقيب في البلوك رقم 9 عند الحدود الجنوبية، وذلك إستكمالاً لمهمة الحفر الإستكشافي التي جرت في البلوك رقم 4. طرح الوسيط الأميركي أسئلة على الجانب اللبناني وتلقى أجوبة شفهية مرفقة بخريطة خطية. اعلن هوكشتاين انه بحث مع تل أبيب الجواب اللبناني ولكنه لم يبلغ الجانب اللبناني نتيجة محادثاته مع الإسرائيليين. يُخشى ان يمضي الوقت من الآن وحتى ايلول/سبتمبر المقبل من دون حسم ترسيم الحدود بين الجانبين وبالتالي عدم حصول لبنان على ضمانة التنقيب في البلوكات الجنوبية (8 و9 و10)، وبذلك تخلق اسرائيل بدعم اميركي امرا واقعا وهو: اسرائيل تستخرج من كاريش ولبنان يفاوض على الخط 23! تزامن هذا الواقع مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى منطقة الشرق الاوسط، ومعه مسؤول ملف الطاقة عاموس هوكشتاين الذي اعلن انه عقد اجتماعات مع مسؤولين اسرائيليين حول ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. في هذا التوقيت الهام، أطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لكي يوضح موقف المقاومة اللبنانية من محاولات اسرائيل استخراج النفط من دون التوافق مع لبنان. مهّد نصرالله لخطابه باطلاق حزب الله ثلاث مسيرات باحجام مختلفة فوق حقل كاريش. وكما ورد في الانباء تمكنت صواريخ الدفاع الجوي المتمركزة على متن البوارج الحربية في عرض البحر من نوع “باراك” من اسقاط مسيرتين. اما الثالثة فقد عجزت هذه الصواريخ عن اسقاطها، ما حمل القيادة الاسرائيلية على استدعاء طائرة ف 35 ثم طائرة ف 16 التي اسقطتها. كانت المُسيرات غير مسلحة وتعمدت التحليق فوق المنطقة من دون العودة الى قواعدها وتعمدت ان يحصل اطلاق صواريخ وقدوم طائرات مقاتلة الى المنطقة لتوجيه رسالة الى الشركات الدولية ولا سيما الشركة المالكة لمنصة استخراج النفط: ثمة نيران إندلعت فوق الحقل وقد تتجدد في اي وقت وليس بالضرورة بالأسلوب نفسه أو بالوسائل ذاتها.. اكد السيد نصرالله انه ما لم يتم ترسيم الحدود بين الدولة اللبنانية والعدو الاسرائيلي بوساطة دولية، وما لم يسمح للشركات الدولية ان تنقب عن النفط في البلوكات الجنوبية فان المقاومة ستمنع استخراج النفط من حقل كاريش المتنازع عليه، واشار الى ان المقاومة قد تتدخل (تستهدف) ليس كاريش وحده بل “ما بعد كاريش وما بعد بعد كاريش”. يقصد نصرالله حقول الغاز العاملة في تامار وليفياثان ودولفين وداليت وتانين، وكلها بعيدة عن المنطقة الإقتصادية الخاصة بلبنان في شرق المتوسط. ان بلوغ مسيرات المقاومة اللبنانية أجواء حقل كاريش المتنازع عليه وتعذر اسقاطها من قبل الدفاعات الجوية الاسرائيلية بسهولة كما كأن يأمل الإسرائيلي، يؤكد قدرة هذه المقاومة على تعطيل العمل في منصة استخراج النفط في كاريش إذا قررت أن تبدأ العمل في ايلول/سبتمبر المقبل. كما يحتمل ان تعطل المقاومة اعمال الاستخراج الجارية في باقي الحقول العاملة مما يشكل تهديداً كبيراً للأمن القومي الاسرائيلي.
ورداً على تهديد اسرائيل بالحرب مع لبنان (بيني غانتس تحدث عن مهاجمة لبنان والوصول الى صور وصيدا وبيروت) إذا تم تعطيل حقول الغاز الإسرائيلية، تحدث نصرالله عن وجود خيارات اخرى لدى المقاومة: -البر: هناك استعداد وجهوزية لمواجهة اي توغل بري للقوات الاسرائيلية داخل لبنان. ويرجح ان يكون بحوزة المقاومة اسلحة متطورة ضد الاليات. -البحر: المقاومة تمتلك صواريخ ارض بحر قادرة على مواجهة البحرية الاسرائيلية وسابقة إستهداف الباخرة “ساعر” (2006) بصاروخ ياخونت ما تزال راسخة في اذهان القادة الاسرائيليين. -الجو: المقاومة باتت تمتلك صواريخ دفاع جوي من شأنها الحد من حرية العمل للقوات الجوية الاسرائيلية في الاجواء اللبنانية وسيغيب التفوق الجوي الاسرائيلي المعتاد.
إحتمال الستاتيكو: يؤدي تلويح المقاومة بورقة الحرب إلى فرض مناخ يجعل الشركات الدولية والإسرائيلية تحجم عن الإستثمار في حقل كاريش، فيتم تجميد العمل في الحقل بإنتظار التوصل إلى تسوية مع لبنان
تجدر الاشارة الى ان منصة استخراج النفط هي منصة عائمة وليست سفينة وقد قطرتها سفينتان من سنغافورة الى الساحل مقابل حيفا وعبرت بصعوبة قناة السويس. انها منصة كبيرة بتقنيات متطورة وتبلغ كلفتها التقديرية نحو مليار دولار وليس سهلا تركها في منطقة نزاع وخصوصا بعدما وقع اشتباك جوي في منطقة تواجدها. السؤال الذي يطرح نفسه هل يخاطر اصحاب المنصة بهذه المنشأة العملاقة ام لديهم تطمينات من شركة “نوبل انرجي” بتسوية ما وبالتالي لا خوف على المنصة؟ سؤال اخر يطرح ما هو موقف شركات التأمين في حال حدوث اشتباك وتضرر المنصة؟ في ضوء مجريات الأيام الأخيرة، ومن الآن ولغاية أوائل شهر ايلول/سبتمبر المقبل، نحن امام أربعة احتمالات: إحتمال التسوية: قبول اسرائيل بالشروط اللبنانية وترسيم الحدود البحرية والسماح للشركات الدولية باستخراج النفط والغاز من البلوكات اللبنانية ولا سيما الجنوبية منها. إحتمال المواجهة الجزئية: رفض اسرائيل تسوية الخلاف مع لبنان ومباشرة منصة “انرجيان باور” استخراج النفط والغاز وقيام المقاومة بضرب المنصة وتعطيل العمل بها وحصر الاشتباك ضمن هذه الحدود فقط. إحتمال الحرب: قيام اسرائيل بضرب لبنان رداً على إستهداف المنصة، فترد المقاومة ويتفاقم النزاع ويتوسع الى حرب تبدأ لكن لا احد يعرف متى تنتهي وكيف. إحتمال الستاتيكو: يؤدي تلويح المقاومة بورقة الحرب إلى فرض مناخ يجعل الشركات الدولية والإسرائيلية تحجم عن الإستثمار في حقل كاريش، فيتم تجميد العمل في الحقل بإنتظار التوصل إلى تسوية مع لبنان. نحن على مسافة أسابيع قليلة من واحد من هذه الإحتمالات.. لننتظر ونرَ.
أبعاد خطاب نصرالله العسكرية.. من التسوية إلى الحرب! | 180Post