نهيدة محمد عساف | كاتبة وباحثة سورية
في قراءة لكتاب “الحرب والتغيير في السياسة العالمية” لمؤلفه “روبرت غيلبن”، والذي عمِلَ على جلب النظريات الاقتصادية وربطها مع السياسة في العلاقات الدولية.
إذّ ما تم إسقاط ما ذكره الكتاب على خلفية ما يحصل اليوم في أوكرانيا، لوجدنا أنَّ التوازن الدولي لا يأتي بحرب بين القائد والصاعد، وإنما يأتي بتسويات على حساب الدول الصغرى لتقاسم النفوذ، كلما رأى احد الأطراف بأن المنفعة الحدّية ما زالت أكبر أو على الأقل المنفعة ليست صفريّة فإنه حتماً ستستمر الأطراف في التصعيد.
على الرغم من الخسائر الروسية في العملية العسكرية تجاه أوكرانيا، لا بد من القول بأن روسيا ستواصل حربها حتى يتم التوصل لنتائج ومكاسب عسكرية والتي باتت واضحة للمشاهدين والمتابعين للتطورات السياسية، في سبيل ضمان هدوء حدودها والحفاظ على أمنها القوميّ، وهو غالباً ما سينتهي بهندسة سياسية جديدة تفضي لجعل أوكرانيا دولة محايدة، أو بالأحرى عدم إبقاء ما يشكل تهديداً على روسيا في المستقبل القريب.
بالحديث هُنا عن روبرت غيلبن، فإنه يقول: “إنَّ الدول تسعى إلى تغيير النظام الدولي عبر التوسع إلى أن تتجاوز تكاليف المزيد من التوسع المنافع الناتجة عنه”.
على الرغم من إمكانية تحديد العديد من العوامل التي تخلِق الحوافز الدافعة إلى تغيير النظام الدولي، إلا أنه من غير الممكن تحديد إذا ما كان هذا التغيير سيحصل في نهاية المطاف أم لا.
إذا طبقنا هذا الحديث على واقع الحرب الروسية – الأوكرانية، نجد أنَّ المعارك قد تستمر لجني مكاسب متزايدة. أي عندما تبدأ التكاليف الحدّية في التوسع بالتساوي مع منافعه الحدية أو تتجاوزها، يتوقف التوزع ويتحقق التوازن، وهذا التوازن من وجهة نظر روبرت غيلبن مجرد ظاهرة مؤقتة في عميلة التغيير السياسي الدولي المستمرة.
الآن، من الصعب رسم الصورة الصحيحة لما يجري على الأرض، حيث أن المشكلة الجوهرية للعلاقات الدولية في العالم المعاصر هي مشكلة التكيّف السلمي مع نتائج نمو القوة غير المتكافئ بين الدول، مثلما كان الأمر في الماضي. فالمجتمع الدولي لا يستطيع الجمود ولا يتوقف دون حراك. وبالتالي لا تزال الحرب والعنف احتماليين خطيرين فيما يتقدم العالم من اضمحلال نظام دولي إلى نشوء نظام دولي آخر.
العالم اليوم في محاولة عودة القوى الكبرى للتوازن، ولكن لحد الآن غير واضح توزيع القوى، إمّا أحادي القطب أو ثنائي، أو متعدد، الدول غير مستقرة، العالم اليوم يمر بمرحلة مخاض حتى ولادة نظام عالمي جديد.
القديم قد مات، والجديد لم يولد بعد، النظام القديم الأحادي الجامد لم يعد موجود، ولكن أيضاً الجديد لم يولد بعد، هذه المرحلة الانتقالية تجعل للأطراف جميعاً حساباتها وستحافظ على توازنها الدولي .