نداء حرب | كاتبة واعلامية
اعتبر مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” خلال مباحثات أجراها مع وزير الخارجية الايراني “حسين أمير عبداللهيان” مؤخرا، أن “إطالة أمد مفاوضات فيينا” خطوة غير بنّاءة، واقترح تعقيباً لانتقاده المذكور سلفاً استئناف المفاوضات بشكل حضوري بين انريكي مورا ممثل الاتحاد الاوروبي وعلي باقري رئيس الوفد الايراني المفاوض.
ولكن يظلّ السؤال الذي يلحّ علينا طرحه هو “الى أي حدّ ممكن أن يحقّق معه اقتراح بوريل انفراجة في مفاوضات فيينا؟”
للإجابة على هذا الاستفسار لابد لنا من تناول عدّة نقاط مهمة:
أولاً: أكد ايران دوما على موقفها وتمسّكت بمبدأ التفاوض، خلافًا للجانبين الأوروبي والأمريكي، لم تغادر طاولة التفاوض بتاتاً، وحتى التوقف الأخير، وفقا لبوريل، حدث بناءً على طلب الأطراف الغربية، وأثبتت النهج التفاعلي الذي تعتمده في المباحثات على الرغم من تعليقها، حيث التقى مورا بكل من علي باقري وحسين أمير عبد اللهيان في طهران في 27 مارس من العام الجاري.
يشار إلى أن إيران التزمت بالاتفاق النووي، وظلّت تفي بالتزاماتها حتى بعد عام على انسحاب امريكا من الاتفاق بشكل أحادي الجانب.
ثانيا: منذ البداية، وضعت إيران مقترحاتها وخطتها على طاولة المفاوضات، وبينما لم يتخذ الغرب أي مبادرة عملية للجولتين السابعة والثامنة من المحادثات في الحكومة الثالثة عشرة، فقد توصلت الجمهورية الإسلامية إلى أجندة واضحة وموجزة ورسمت في النهاية خطوط حمراء سيفضي احترامها من قبل الجانب الاخر الى إحياء الاتفاق.
وتمحورت مقترحات ايران ومبادرتها لإحياء الاتفاق النووي، حول رفع جميع العقوبات، والتحقق من هذا الأمر، وضمان عدم تكرار الانتهاكات الغربية وعدم قابلية التفاوض على القضايا الإقليمية والصاروخية.
وبناءً على ذلك يمكن القول إن الغرب كان يعلم منذ البداية ما هو محور المحادثات وما هي القضايا التي يجب مناقشتها، وبالتالي فإن استئناف المحادثات بين إيران وأطراف 4 + 1 ليس ضروريا لاختتام المحادثات، لكن الأطراف الغربية هي التي يجب أن تتخذ قراراً سياسياً لكسر الجمود الذي يهيمن على طاولة المفاوضات.
ثالثاً: في الوقت الذي يؤكد فيه بوريل على ضرورة استئناف المحادثات بين مورا وباقري، كان هو أحد أسباب تعليق المفاوضات من قبل الجانب الاوروبي. وتجدر الإشارة إلى أن جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، أدلى بتصريح يبعث على التأمل في هذا الصدد، حيث قال: “محادثات فيينا توقفت هذه المرة وبعد تجاوز العراقيل الروسية بسبب العراقيل التي وضعتها طهران”!
والأكثر عجباً هو أن بوريل زعم أن طلب إيران رفع حرس الثورة الاسلامية من قائمة العقوبات أمر غير مقبول، في حين أن الجمهورية الإسلامية أكدت منذ انطلاق المفاوضات على ضرورة رفع جميع العقوبات، بما في ذلك رفع الحظر المفروض على حرس الثورة الاسلامية.
في ظل هذه الظروف، يبدو أن استئناف المفاوضات، حتى على مستوى المندوبين، لن يكون قادراً على تحسين الوضع الراهن، طالما أن أساس العمل، أي التفكير الغربي، ما يزال قائم على الغرور الذاتي وتجاهل حقوق إيران الشرعية المتمثّلة برفع الحظر بأكمله.
رابعاً: لو ألقينا نظرة فاحصة على مسار محادثات فيينا يتجلّى لنا أن أمريكا ماتزال تعيش في قوقعة أوهامها السابقة، وبايدن على الرغم من شعار المفاوضات الذي رفعه لدى وصوله الى سدّة الحكم، لم يُحدث أي تحوّل عملي في مسار أمريكا الموارب في التفاوض.
تشمل المزاعم المتكررة بإلقاء اللوم على إيران، إلى جانب قضايا جديدة وبعيدة المدى مثل استمرار عقوبات ترامب بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق، وقضايا الصواريخ والقضايا الإقليمية، بينما تُظهر السياسة الأمريكية أنها تسعى إلى الحفاظ على الهيكل والإطار السابق من العقوبات، وذلك ليغدو بمثابة جسر لممارسة الضغوط والمزيد من الطلبات في قادم الايام.
وخير دليل على صحّة ما ذكرناه سالفاً، ما ذكره المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية، حيث زعم مؤخرا أنه إذا أرادت إيران رفع العقوبات إلى ما بعد الاتفاق النووي، فيجب عليها معالجة مخاوف امريكا خارج نطاق القضايا النووية.
لهذا لا يمكن ان يحقّق استئناف المفاوضات بين الجانب الايراني وممثل الاتحاد الاوروبي أي انفراجة تذكر في مباحثات فيينا، ما لم يحدث تغيير جوهري في عقلية الجانبين الأوروبي والأمريكي لاتخاذ قرارات سياسية والتخلي عن السياسات غير البناءة والمثيرة للخلافات.
ويظلّ على الغرب أن يدرك أن عصر التفاوض من أجل التفاوض الذي يهدف إلى الإبقاء على العقوبات وإلقاء اللوم على إيران قد ولّى، والتمسك بمبادئ التفاوض والتسليم بحقوق إيران هو “الحل العملي الوحيد” للوصول الى نتيجة في المفاوضات.