ميراي الملحم | كاتبة لبنانية
الدّين ليس حَجّاً وكلمات بل إنسانية ، أيّ إنسان لا حجارة وأماكن ومعابد . هو إعادة ترتيب إختلاجات الروح ، نظافتها وصفائها .
الدّين ليس عَرضاً ماديّاً بل روحانيّات ، أيّ سلام الذات والقيامة من قعر الألم . هو حبّ وإخاء (brotherhood) من دون سلبيّة الأنانيّة ، الواحد للكلّ والكلّ للواحد ؛ فلا حياة بلا إتحاد .
الدّين ، بإختصار ، حياة آمنة للجميع ، أمّا الحجّ هو قبول الآخر تحت راية المساواة … والباقي هرطقة ؛ و” أَبيه بيير ” (abbé pierre) أعطى للحياة إسماً وعنواناً – abbé pierre .
من هو الأَبيه بيير ؟
هو الإسم الحركي الذي نُسِب للأب هنري غرويه خلال الحرب العالمية الثانية . شارك في المقاومة الفرنسيّة السريّة (١٩٤٢) . ساعد اليهود والمضطهدين سياسياً وقام بتأمين جوازات سفر للهروب إلى سويسرا . أسّس جمعيّات إجتماعيّة خيريّة لمساعدة الفقراء والمستبعدين واللاجئين ، منها رابطة إيمايوس(١٩٤٩) ومؤسّسة الأب بيير لإسكان الفقراء (إلخ..) . اشتُهر بِندائه الإذاعيّ الإنسانيّ لِجمع التبرّعات من أجل تأمين مأوى للفقراء تحت عنوان ” انتفاضة الرّحمة ” (شتاء ١٩٥٤) .
الأبيه بيير – قلبٌ طاهر انبثَق من بين براثن الحرب ، قباحة ظلماء شيطانيّة . هو رمز حقيقي للإخاء والإنسانيّة .
توفّي في ٢٢ كانون الثاني ٢٠٠٧ .
أيّام عديدة وذكر أعماله الرّحيمة لا يفارق كانون الثاني وعواصفه . كانون الثاني الذي غطّى لبنان باللؤلؤ الأبيض . هذا البلد الذي تميّز بفصولِه الأربعة ، إلّا أنّ حاضره فقد الرّبيع وازدهار الصّيف . عواصف مناخيّة وسياسيّة تتسابق على المرتبة الأولى في سطوة وزرها على وطن الأرز ، وطن القدّيسين والقداسة .
تجتاح لبنان
ثلجيّة قلّوسية (تيمناً بثلجات القلاليس الرّهبانيّة الثلاتة الكبار حسب التقليد المسيحي ، التي يصادف حصولها خلال أعياد ثلاثة قدّيسين رهبان بين ١٨ كانون الثاني و٨ شباط)
وضرائبيّة مباشرة على الشعب هدفها المبطّن حماية المصارف ومصالح إقطاعيّات الزعماء . فَبَين قسوة صقيع الأولى وبين وقاحة ميزانيّة الحكومة ما عاد هذا البياض السّماوي نعمة بل نقمة . لا أحد يفضّل غراب التشاؤم وأجنحة السلبيّة ، إنّما كما الرّسالة تُعرف من العنوان ، بداية سنة ٢٠٢٢ لا تبشّر بالخير . إذ بعد العديد من سنوات متراكمة وعقود متتالية من الفساد ، بدل أن ينتفض ضمير الحيتان الماليّة رأفةً بهذا الشّعب الصابر المتأمّل ، ها هو سرطان الممارسات العشوائيّة المستبدّة الغير دستوريّة تفشّى أكثر فأكثر منذ حراك ٢٠١٩ ؛ بدءاً من كلّ مؤسّسات الدّولة مروراً بالمصارف المافيَويّة والتّجار والصّيارفة وصولاً إلى أصغر عامل نظافة . أصبح قانون شريعة الغاب هو المتحكّم السّاري ، ومنطق الصّمود – وإنْ على حساب الأخ – هو السّلاح الوحيد المُوجّه بين السّلطة والشعب تجاه بعضهم أجمعين . زمن ، حتّى أعقل عقلائه والمتفهمين لخصوصيّة أركان المجتمع اللبناني ، ما عاد يستطيع تبرير هذا الجنون ؛ وكأنّ الجميع أقسَم على تدمير الوطن وتفكيكه إلى آخر فلس .
المزاد العلني بدأ التحضير له ، والمزايدون الإقليميّون والدوليّون يحضّرون الرهان ، ورياح الوطنية بين الأروقة تبخّرت .
وألا أونا ، ألا دُوّيه ، ألا تريه ، وهيهات من المذلة في بلد بات يتيماً ، بلا فلسفة مالكيّة ، دبلوماسية شمعونية ، جيش شهابيّ ، حكمة صدريّة ، رؤية إدّية ، مقاومة بشيريّة ، كهنة ومشايخ بِدرجة أبيه بيار ، وشعب أضاع خطى الدّعسات ؛ إلّا الأقليّة الأقليّة .
إنّما ، لولا فسحة الأمل … !