مريانا امين | كاتبة وناشطة سياسية
ضعفاء النفوس في دولنا العربية ينتشرون في كلّ مكان.
ها نحن في تونس، يحزن فيها الأحرار لسرقة نصب تذكاري يحمل خريطة فلسطين كان قد شيّد لتكريم المناضلة شيرين أبو عاقلة في حديقة فلسطين في مدينة بنزرت.
وها نحن في لبنان ناشط إعلامي ينتقد وزير الثقافة ممتعضاً ومجادلاً، كيف تتمّ تسمية قاعة في المكتبة الوطنية بإسم ابو عاقلة.
وأخذ يحاول إقناع المستمع بأنها ناشطة فلسطينية ولا علاقة لها لا بلبنان ولا بفلسطين ولا باليمن، وأنه يوجد ناشطون لبنانيون أحقّ بتسمية هذه القاعة بأسمائهم حسب قوله.
صحيح انه يوجد لدينا مناضلون ومناضلات أيقونات كثر لم تتمّ تسمية الشوارع والقاعات بأسمائهم لكن لماذا لم يمتعض هو وأمثاله على تسمية شوارع بأسماء غربية!
هل يعلم أنّ «ساندويش» الفلافل التي أكلها بالأمس هي من تراث فلسطيني من مدينة عكا أتت إلينا سابقاً!؟
وهل يعرف أنّ الأغنية التي يردّدها اللبنانيون تغنيها الفنانة ماجدة الرومي «سقط القناع» وأغنية «بيروت نجمتنا» لمارسيل خليفة هما لشاعر فلسطيني اسمه محمود درويش!؟
هل وصلنا الى وقت نعشق الجلاد لأنه (غربي مودرن) ونحقد على المجلود لأنه عربي !؟
هل وصلنا الى وقت يتحوّل فيه التاريخ إلى صنم وإلى مادة للعنصرية وللعصبية.
وكم نأسف أننا بدأنا نفقد المعنى الأساسي للإنسانية في بلادنا العربية لتتحوّل إلى عنصر شلل للحاضر وتحطيم للمستقبل.
صحيح أنّ التجاهل أبسط أمر نفعله عندما تتزاحم حولنا التفاهات، التي ينطق بها فقراء الأدب، الذين يقضون ساعات أعمارهم في حوارات مبنيّة على حقد عنصري.
تعبنا ونحن نتكلم عن التطبيع مع عدو لكننا كما نرى أصبحنا بحاجة أكثر لمواجهة التطبيع ضدّ الفساد الأخلاقي في مجتمعاتنا لدرجة أصبحت الإنسانية بنظرهم حمقاء والفضيلة خطيئة تستوجب ذمّاً وعقاباً.
لكن! في ظلّ انعدام الانفتاح الإنساني، ومهما سيطر الحقد وأصبح التفكير كأنه أمر غريب في صحراء قاحلة لا ماء فيها! لا زال يوجد أحرار يرفضون ما يؤسّسه التافهون، وكما حرّروا الأرض من براثن الغزاة عبر التاريخ سيحرّرون الإنسان الأخير وينقذونه من سيطرة التفاهة التي تمتلك العقول، كي نصل إلى وقت نؤنسن فيه الحوار والتاريخ بانفتاحنا على الآخر بالعلم الذي لا يقبل المذهبة ولا التطييف، كي تكبر الحياة وتقوى بإتكائها على توازن تتعانق من خلاله الطاقات في القضايا الكبرى التي تجلب الخير للبلاد.