ماجدة الحاج | كاتبة وباحثة لبنانية
الى اين تتّجه سورية؟ ولماذا اشتعلت بين قوات العشائر العربية وميليشيا “قسد” في هذا التوقيت تحديدا؟ ولماذا بدا الموقف الأميركي متفرّجا بل مريبا ازاء هذا الإقتتال؟ هل من صفقة اميركية مع انقرة ستتمّ على حساب الميليشيا الانفصالية الكردية؟ ولماذا تزامن الحراك العسكري الأميركي وازدياد الحديث عن احتمال اغلاق الحدود السورية-العراقية مع اعادة “احياء الروح ” في جسد تنظيم “داعش”؟ و”تحريك” احتجاجات بدت مفاجئة للجميع في السويداء؟ خصوصا في توقيتها واعادة رفع شعارات بدايات الحرب بإسقاط النظام؟ هل تنجح الولايات المتحدة في اعادة تنفيذ المشروع “الاسرائيلي” بإقامة حزام امني في الجنوب السوري؟- المشروع نفسه الذي نسفته دمشق في غمرة الحرب؟
جملة من التساؤلات فرضت نفسها في اذهان الكثيرين ازاء “اشعال” الولايات المتحدة كل هذه الملفات دفعة واحدة. الكلام عن “سيناريو اميركي جديد” في سورية يبدو طاغيا هذه الايام “لربما يكون ابعد من هدف تشديد الحصار عليها حسبما يعتقد بعض المحلّلين السياسيين.. وقد يذهب الأمر صوب “نيّة اميركية جديدة لتغيير نظام الحكم في سورية”-على حدّ ترجيح رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي-بمقابلة له مع قناة “الشرقيّة” العراقية قبل نحو اسبوعين!
وفي مقابل الاشتباكات العنيفة التي اشتعلت على مدى ايام بين مقاتلي العشائر العربية وميليشيا “قسد” – وحيث التحق ما يسمى “الجيش الوطني” المدعوم من انقرة على خط مؤازرة مقاتلي العشائر الذين سيطروا على العديد من معاقل “قسد” امام انظار قوات الاحتلال الاميركي، بدا وكأنّ الاخيرة مرّرت “ترضية” لأنقرة تكفّل معهد “هادسون” للأبحاث الامنية بتوضيحها.. ” للولايات المتحدة مصلحة في شراكتها مع تركيا لتنفيذ مشروعها في الشمال السوري وابعادها عن روسيا. ولتنشيط هذه الشراكة، على الولايات المتحدة إنهاء تحالفاتها بالكامل مع الوحدات الكرديّة من مجال النفوذ الأميركي-التركي في تلك المنطقة وإجلاء جميع مقاتليها منها”.. وبكل الاحوال، لن تكون الميليشيا الانفصالية الكرديّة الوحيدة التي ستدفع ثمن ارتهانها للأميركي-ألمعتاد على الاستغناء عن ادواته عند اول مفترق ربطا بمصالحه، وبالتالي، بات عليها توقُع انهيار “حلم الكانتون الكردي” المزعوم.
وفي لحظة مفصليّة حسّاسة تمرّ بها سورية، “حُرّكت” انتفاضة مشبوهة في السويداء لناحية التوقيت والشعارات التي رُفعت.. ليعود سيناريو اقامة “الحزام الامني” في الجنوب السوري مجددا الى الواجهة.. وبناء على مصدرّين موثوقَين، فإنّ الاحتجاجات في السويداء جُهّز لها خارج سورية منذ اكثر من شهرين، برعاية اجهزة استخبارات معادية وتمويل احدى الدول الخليجية..
وبرز لافتا ما ذكرته وسائل اعلام تركيّة تعقيبا على حِراك السويداء، حيث لفتت الى وجود ” مخطط اميركي لإنشاء جبهة على الحدود الجنوبيّة السوريّة تضمّ القنيطرة والسويداء ودرعا تكون موالية للأميركيين المتمركزين في قاعدة التنف.. وإذ اشارت الى “عزم واشنطن ارسال اسلحة ثقيلة وذخائر ومقاتلين الى درعا والسويداء والقنيطرة، صوّبت الوسائل المذكورة على “انّ السيناريو الاميركي يقضي باستخدام قاعدة التنف لإنشاء جيش جديد قوامه 30 الف رجل لفتح جبهة الجنوب-على ان يشارك ابناء السويداء بشكل نشط في هذا الجيش لأوّل مرّة”..
هذا بعدما تحدّثت معلومات عن مبادرة ضبّاط من الاحتلال الاميركي في قاعدة التنف، الى نقل المئات من المسلّحين من ادلب- ينتمي معظمهم الى ما يسمى “فيلق الرحمن” الى القاعدة المذكورة، على ان يتمّ تشكيل قوّة مسلّحة هي في غالبها من العناصر التكفيريّة لإرسالها الى السويداء ودرعا- وهذا مطلب “اسرائيلي” بطبيعة الحال.. ليبدو انّ السيناريو الاميركي يريد اقامة منطقة امنية عازلة تمتدّ من التنف حتى شرق الفرات..فهل سينجح هذه المرّة؟ وهل تلجأ قوات الاحتلال الاميركي الى اطلاق عملية عسكرية لإغلاق الحدود السورية-العراقية؟ واين روسيا من امكانية تنفيذ هذا السيناريو الاميركي؟..بل هل يسمح محور المقاومة ب “تسكير” هذا الشريان الهام والحيوي؟.. يجوز اعتبار اقفال تلك الحدود بمثابة اعلان حرب على المحور- وفق ما يشير احد قادته الميدانيين..
استنادا الى اكثر من مصدر دبلوماسي غربي، فإنّ الحراك العسكري الاميركي على الحدود هناك لا يعدو كونه من باب “الاستعراض” ومزيد من الضغط على القيادة السورية، ومن خلفها محور المقاومة.. وفي المقابل، ثمّة من المحللين السياسيين والعسكريين من توقّف امام زيارة وفد عسكري عراقي رفيع المستوى برئاسة رئيس الاركان الى قاعدة عين الاسد، حيث لوحظ “تدعيم” القاعدة بأسلحة هجومية اميركية جديدة وفِرَق قتالية، ما فُسّر انه استعداد عسكري اميركي ل”احداث ما” مرتقبة على الحدود السوريّة-العراقيّة..وربط اولئك المحلّلون امكانيّة عزم الاحتلال الاميركي لاقفال تلك الحدود، بحاجة الرئيس الأميركي الى “استرضاء” اللوبي الصّهيوني في الولايات المتحدة لضمان فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة، لما تشكّل هذه الخطوة من اهميّة قصوى بالنسبة للكيان “الإسرائيلي”… وفي هذه الحالة.. لمحور المقاومة، كلامٌ آخر!
ففي تحذير ” ناريّ “، ردّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في اطلالته الأخيرة، على امكانيّة ان تنفّذ واشنطن هذا السيناريو، ووضع خطوطا حمر حول اي نيّة عسكرية اميركية لتحقيق هذا الهدف بقوله:” لو كان الأمر صحيحا، فإنه اوهام لن تسمح بها سورية ولا محور المقاومة”. وهدّد الاحتلال الاميركي بحرب كبرى “في حال لجأ الى تغيير الوضع القائم هناك”.. وبلغة الواثق من تجهُّز المحور لأي معركة مع الاحتلال الأميركي في شرق الفرات، وجّه السيّد تحدّيا غير مسبوق الى الولايات المتحدة ل “المنازلة” قال فيه” اذا اراد الاميركيون ان يقاتلوا بأنفسهم فأهلا وسهلا”، معتبرا “انها المعركة التي ستُغيّر كل المعادلات”!. وبالتالي، وصلت “الرسالة “حتما الى “من يعنيهم الأمر”.
وعليه، تدرك الاروقة الاميركية جيدا خطورة انخراط قواتها في معركة كبرى مع محور المقاومة، واحتمال تحوّلها الى حرب كبرى في المنطقة، خصوصا إثر تلقّفها معلومات عن حراك “غير عادي” يجري على قدم وساق في غرفة عمليات محور المقاومة، كما الزيارة اللافتة التي قادت اللواء اسماعيل قآاني –قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني، الى قاعدة حميميم واجتماعه المفاجئ بمجموعة من كبار القادة الميدانيين الرّوس.. ما حدا بتقارير اميركية عدّة للتصويب على “تجهّز غير مسبوق” يجري بين دمشق، طهران وموسكو لإخراج القوات الاميركية من سورية”.
“هي مرحلة “تسخين كبير” وخلط اوراق -خصوصا في سورية ولبنان، وفق ترجيح قيادي ميداني وُصف ب”رفيع المستوى” في محور المقاومة، اكتفى بالتلميح الى “حدث عسكري من العيار الثقيل” سينجزه الجيش السوري وحلفاؤه في ادلب، على وقع معلومات نُسبت الى دبلوماسي غربي في برلين، لم يستبعد عمليّات تصفية مرتقبة قد تطال بعض كبار القادة في ميليشيا”قسد” ربطا بقرار اميركي-تركي لإخراجها من شرق الفرات- وفق اشارته!