ماجدة الحاج | كاتبة وصحافية لبنانية
ساعاتٌ ثقيلة وضعت العالم منذ يوم امس في حال ترقّب وأدخلت الحرب الروسيّة-الأطلسيّة المشتعلة بالوكالة في اوكرانيا في منعطف خطير وخوف من تحوّلها الى مواجهة مباشرة، عقب دويّ خبر اطلاق صاروخَين على الأراضي البولنديّة تمّ نسبهما سريعا الى روسيا والتسبّب بمقتل مواطنَين بولنديّيَن، فيما كانت القوّات الرّوسية في اوج استعادة زخم ضرباتها الجويّة بعد هدوء لافت منذ منتصف شهر تشرين الأول الفائت، بقصف جوّي عنيف على مختلف المناطق الاوكرانيّة وصولا الى العاصمة كييف-التي وصفته ب”الأعنف”، وطال نظام القيادة والتحكّم العسكري ومنشآت الطاقة الأوكرانيّة.. فجاء خبر إطلاق الصاروخَين “الغامضَين” فرصة لتستنفر سريعا ماكينة دوَل “الناتو” الاعلاميّة قاطبة واروقتها العسكريّة، وتأمر بولندا بوضع وحداتها العسكريّة في حال تأهّب قصوى، وتلوّح بتفعيل المادّة 4 من ميثاق حلف “الناتو”، وسط نفي روسيّ قاطع عن ايّ مسؤوليّة تجاه الصاروخَين “المشبوهَين”، قبل ان تتبيّن براءة روسيا منهما اليوم ، ويقرّ امين عام حلف “الناتو” بمسؤوليّة القوات الأوكرانيّة عن اطلاقهما، معلنا “انه لم يكن متعمّدا”!
وبينما اثارت عاصفة اطلاق الصواريخ على بولندا ولصق مسؤوليتها فورا بروسيا حتى قبل اجراء التحقيقات لتحديد هويّة مطلقيها، سيّما انها اتت بعد ايام على اعادة تموضع القوات الروسية في خيرسون والتي رسمت علامات استفهام كثيرة حيالها ووضعتها دوَل” الناتو” في خانة “الهزيمة” الروسيّة، ووسط اجواء بدت ايجابيّة حيال جنوح اميركي صوب الايعاز لأوكرانيا بالبدء بمفاوضات مع روسيا لإنهاء الحرب، فجاء التساؤل المشروع ” هل هو قرار فردي اتخذته القيادة الاوكرانية بإطلاق الصواريخ على بولندا لجرّ حلف “الناتو”رسميّا الى مواجهة مباشرة مع روسيا؟ وهل تستطيع القيادة الأوكرانية اتخاذ هكذا قرار دون موافقة اجهزة المخابرات الغربيّة بحيث يكون سببا رسميّا لارسال قواته الى اراضي اوكرانيا؟-وهو ما اعلنه امس مجلس الدوما الرّوسي، خصوصا انّ تقارير عديدة اجمعت على تحضّر قوات بولنديّة للدخول الى مناطق في غرب اوكرانيا.. ام انّ واقعة “الصّاروخَين” تأتي من باب زيادة الضغوط الغربية على موسكو لإرغامها على القبول بمفاوضات لصالح “الناتو” تحت الضغط الناري؟
وبمعزل عن امكانيّة التوصّل الى مفاوضات تُفضي الى انهاء الحرب المستعرة في اوكرانيا –وسط تأكيد محلّلين وخبراء عسكريين روس، انّ الرئيس بوتين لن يعود من هذه المواجهة دون نصر حاسم في اوكرانيا بعد سلسلة “نكسات” ستُضعف اوراقه التفاوضية، وفي مقابل معلومات صحفيّة روسيّة تحدّثت عن “مؤشّرات هجوم روسي كبير في اوكرانيا” – وفق ما ذكرت صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسيّة،والتي نقلت عن الخبير العسكري الروسي فلاديسلاف شوريغين، اشارته الى “تجهّز روسي لهجوم كبير” رجّح ان يبدأ في نهاية شهر نوفمبر الحالي، فيما نقلت الصحيفة عن محرّر مجلّة “ترسانة الوطن” اليكسي ليونكوف، تأكيده على تلك المعلومات، مرجّحا ان تبدأ عمليات هجومية روسية واسعة النطاق في اوكرانيا قبل نهاية العام.. الا انّ التقارير التي صدرت عن ضفّتّي المواجهة، ترجّح ان تأخذ العمليات العسكرية في اوكرانيا هدنة طيلة شهور الشتاء، يتمّ خلالها التجهُّز للمنازلة القادمة.. وهي المرحلة التي تتوجّس منها دُوَل “الناتو”، سيّما مع اعلان ديمتري روغوزين-الرئيس السابق لمؤسّسة “روس كوسموس الفضائيّة الروسيّة يوم السبت الفائت، عن “قرب وصول اسلحة حديثة تضمن نصر روسيا في اوكرانيا”، وقوله “إنه في غضون الأشهر القليلة المقبلة، سوف يقوم المجمّع الصناعي الرّوسي بتزويد القوات الرّوسيّة بأنظمة الأسلحة التي ستضمن لهم الإنتصار”..
تصريحٌ غير مسبوق تزامن ايضا في اليوم نفسه مع ما كتبه نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف على قناته في تلغرام وفيه ” إنّ روسيا تقاتل بمفردها حلف “الناتو” والعالم الغربي، وهي لم تستخدم بعد كل ما في ترسانتها من وسائل دمار.. كلّ شيء سيأتي في وقته المناسب”!
هذا قبل ان يؤكّد ضابط القوّات الخاصّة السابق اناتولي ماتفيتشوك على ما قاله مدفيديف وروغوزين، ويوضح مشهد العمليّات العسكريّة الروسية القادم في اوكرانيا وقوله” لم نستخدم حتى الآن أحدث ما طوّرناه في مجال تقنيّات الفضاء، ولم نقم بعد بإخراج اقمار “ستارلينك” عن مداراتها.. اعتمدنا على اسلحتنا التقليديّة ودمّرنا عمليّا الجيش الأوكراني، امّا وأننا نواجه الان قوات “الناتو”، وجميع المعدّات والأسلحة التي توفّرها الولايات المتحدة لأوكرانيا، ذات تقنيّة عالية ولا يمكن للأوكرانيين تشغيلها بأنفسهم، حتى المستشارين والمدرّبين وربما جنود المدفعية هم من الولايات المتحدة ويقاتلون في عداد الجيش الأوكراني، وهناك ايضا البولنديّين الذين يقاتلون في صفوفه كما البريطانيين ودُوَل البلطيق.. وعليه، إنّ اللحظة لاستخدام كلّ الأسلحة التي لدينا.. ستأتي قريبا جدا”!
لربما في شرح ماتفيتشوك اجابة عن سؤال لطالما راود الكثيرين منذ بدء العمليّة العسكريّة الرّوسيّة في اوكرانيا” لماذا آثر الرئيس بوتين عدم حشد العديد والعتاد اللازمَين وتصرّف تحت سقف عمليّة عسكرية محدودة؟ هل سها عنه انه سيكون في مواجهة تكتّل دوَل “الناتو” بكلّ اسلحته وخيرة ضبّاطه واقماره الصناعيّة خلف اوكرانيا الى حدّ استنزاف مخازن دُوَل عديدة في هذا الحلف لكسره في هذه المواجهة؟ ام انّ بوتين قرّر تحييد “نخبة” سلاحه هذا الى حين بدء المواجهة المباشرة مع “الناتو”؟
واستتباعا، جاء تحذير امين عام الحلف من “انّ الأشهر القادمة ستكون صعبة على اوكرانيا”، وسط تسريبات صحفيّة روسيّة عن قرار روسي-ايراني غير مسبوق سيهزّ شِباك الحلف المعادي.. ايران التي تتعرّض بدورها لهجمة معادية خطيرة تلعب فيها “اسرائيل” الدّور البارز وتتشارك معها دول عديدة في حلف “الناتو” توازيا مع الهجمة الأطلسيّة على روسيا، صار لزاما عليها-وفق تقارير ايرانية، ان تُعيد قذف كرة اللهب الى داخل الملعب “الإسرائيلي”، خصوصا وانّ اعداد العملاء لجهاز “الموساد” الذين تمّ القبض عليهم في غير منطقة ايرانيّة فاق حدود المتوقّع!
وعليه، ستكون المرحلة المقبلة مفتوحة على كلّ الاحتمالات، سيّما مع عودة بنيامين نتنياهو الى سدّة الحكومة “الإسرائيلية”، ما يعني انّ التصعيد سيكون عنوان المرحلة، لكن في مقابل عمليّات فدائيّة نوعية ستتجاوز على الأرجح “خطورة” عمليّة “اريئيل” المعقّدة التي التي نفّذها المقاوم الفلسطيني الشهيد محمد مراد صوف وافضت الى مقتل 3 مستوطنين وعدد من الجرحى، وتسببت بصدمة في الأوساط “الإسرائيلية”.. ونقلا عن مصدر في الصحيفة العسكرية البلغارية، لم يستبعد خرقا امنيّا هامّا على الحدود الفلسطينية مع سورية، فإنّ مفاجآت مرتقبة قد يستهلّها الرئيس فلاديمير بوتين بإعلان قرار”كبير”بخصوص المواجهات العسكرية في اوكرانيا، ولربما يتوّج تلك المفاجآت، حدث عسكري ايراني غير مسبوق يشكّل ضربة مؤلمة لإسرائيل –وفق اشارة المصدر!