ليندا حمّورة | كاتبة وباحثة لبنانية
مما لا شك فيه أننا لا نزال نشهد صراع محوريين هامّين على الساحة العربية، أحدهما انتصر وآخر انهزم ، وما بين انتصار هذا وانهزام ذاك محاولات لتقبّل الواقع، فالمحور المنهزم يريد تقليل خسائره، والمحور المنتصر يحاول تعزيز انتصاره عبر القبول بالتبريد، لأن التبريد يعني في أحد جوانبه مكاسب واستقرار مستدام ، والطرف المنتصر سياسيًّا وعسكريًّا مختنق اقتصاديًّا، والانفتاح الاقتصادي يراكم انتصارا آخر …
السائد بأن المملكة العربية السعودية تتصرف نكاية بإدارة الديمقراطيين في البيت الأبيض، لتعزيز حظوظ الجمهوريين في الانتخابات المقبلة، كما أنها تريد البرهنة على أنها الطرف الاقوى عربيا على مستوى النّفوذ، في مواجهة النفوذ الإيراني ! لذلك كانت شرسة في رفض دعوة سوريا إلى قمّة الجزائر، لكنها شديدة الحماس لدعوتها إلى قمّة الرّياض .
بالتأكيد ان جزءاً من تحول المملكة العربية السعودية له علاقة بسلوك ادراة بايدن ، لكن يبقى السبب الأساسي هو ادراك قيادة المملكة ان اميركا حليف لا يُركن له واكبر دليل انسحاب اميركا من أفغانستان وتركها لكل اتباعها وهو ما تخشاه المملكة .
لهذا كان على المملكة ان تتجه لحفظ مصالحها نحو الصين وروسيا دون ان تقطع علاقتها باميركا نهائياً .
علماً بأن الاتفاق السعودي – الإيراني ليس وليد رغبات بقدر ما هو حاجة ضرورية كون ايران هي نقطة تقاطع الطريقين الأكثر أهمية من طرق التجارة العالمية وهما طريق الشمال الجنوب وطريق الحرير .
لست أدري لماذا أخذتني الذاكرة إلى أعماق التاريخ واستحضرني ذلك الملك الذي كان يحكم الأرض من الشرق إلى الغرب، وعند ظهوره ادّعى بأنه هو الله على الأرض ولا بدّ من اتباعه واتباع دينه، إنه الملك نمرود الطاغية الجبار الذي كان يقول بأنه يحيي من يريد ويميت من يريد، التاريخ يعيد نفسه ولكن بتوليفات جديدة، دائماً يجب أن نحظى بسلطات جبارة تفرض أحكامها على الجميع وكأنها سلطة الخالق على الأرض !
هذا الاتفاق هو البداية لمرحلة مختلفة تعكس التحولات التي حصلت على مدى 12 سنة من اليمن الى سورية وسينقل المنطقة من حالة الإشتباك الى حالة التشبيك وهو ما ستحاول اميركا احباطه .
بالنسبة للبنان يبقى السؤال المركزي : هل سينعكس الاتفاق السعودي – الإيراني ايجابياً على الوضعين السياسي والإقتصادي ؟
المنطق يقول بأن لبنان سيكون مستفيداً ولكن بالخروج من حالة الكباش الداخلي وتغليب المصلحة اللبنانية عبر انتخاب رئيس جامع ووضع خطط لإعادة النهوض والإصلاح تجاري تطورات المنطقة والا فإن لبنان سيبقى على الرف وفي الثلاجة كما هو الآن وهو أمر مدمر يهدد بقاءه ككيان .
اما سوريا فهي ليست بحاجة لعودتها الى الجامعة العربية بعد استبعادٍ بدايته التي كانت من العام ٢٠١١ حتى اليوم، بقدر ما هي بحاجة لتعزيزها اقتصادياً بعد قانون فرض العقوبات عليها والذي تمّ بسبب اتهامها بتهم أولها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، عقوبات طالت الحكومة السورية والكيانات والأفراد المرتبطين بها. وقد شملت هذه العقوبات بشكل عام، العقوبات المالية (مثل تجميد الأموال والأصول وحظر التمويل)، العقوبات الاقتصادية (مثل القيود المفروضة على استيراد أو تصدير سلع وخدمات معينة، كالعقوبات المفروضة على المنتجات النفطية السورية)، العقوبات المتعلقة بحركة الأشخاص (مثل فرض حظر سفر على العديد من المسؤولين ورجال الأعمال السوريين ومنعهم من دخول العديد من الدول)، وأخيراً العقوبات الدبلوماسية (كقيام العديد من الدول بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا). وقد تم فرض هذه العقوبات من قبل منظمات دولية كالاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية أو بشكل فردي من قبل بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا .
سوريا اليوم بأمس الحاجة لتعزيز اقتصادها واستعادة أنفاسها من جديد، وهذا الأمر قد يفيد لبنان كثيراً، أولاً قد يتم من خلال اعادة السوريين الى سوريا التي باتت آمنة تماماً لهم حيث باتوا يشكلون عبئاً كبيراً على لبنان واللبنانيين !
وقد يكون الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في شهر شباط هو الذي سرّع في استعادة العلاقات الإقليمية مع دمشق خصوصاً بعد فيضٍ واسعٍ من الإتصالات والمساعدات التي تلقاها الرئيس الأسد من قادة الدول العربية .
تبقى اللعبة السياسية متشابكة كخيوط العنكبوت يصعب حلها، وبما أن هذه اللعبة تبنى على المصالح فهذا يعني بأن ركيزتها غير ثابتة وآيلة للسقوط في أي لحظة، ويبقى الشعب هو الحلقة الأضعف في كل ما يحاك من حوله، بانتظار قميص صوف يقيه صقيع الأزمات الاقتصادية التي جعلته عارياً تماماً أمام العاصفة، فهل من يحوك قمصاناً بلون السلام ؟!
