كتبت ليندا حمّورة | متى تُنهى العقول من قرع الطبول ؟

ليندا حمّورة | كاتبة واديبة لبنانية

مع مرور الزمن ازددنا يقيناً بأنّ الكائن البشري هو عبارة عن مواد غير ثابتة تريد التفكّك لتستقر، لذلك نحن في صراعٍ دائمٍ بين الخير والشر، بين الحرب والسلام، بين الفقر والغنى، بين العلم والجهل، وبين الواقع والخيال. ويبقى الصراع الأخطر الذي يحتلّ حيزاً هاماً من حياتنا، النزاع بين العقل والعاطفة، فما مدى تأثيره على المجتمع والدول ؟
يولد الإنسان نقياً لا يعرف للخبث سبيلاً ولا للشر مكاناً، ولكنه يعيش حرباً حقيقية بين عقله وقلبه، وهذه الحرب قد تودي به إما إلى الإنتصار وتحقيق المجد، او الفشل والانهزام، وهنا يكون الدور الأكبر للقرارات التي يتخّذها المرء نتيجةعواطفه أو عقله والتي تحدّد مصير هذا العراك.
فالعاطفة المسرفة قد تؤدّي إلى خللٍ في التصرّف وهذا نشهده عند كل فرد من أفراد المجتمع، ولكن إذا نظرنا إلى مفهوم العاطفة حين يتحوّل المرء إلى عنصر في جمهور هل ستبقى مؤذية ؟ هنا نلاحظ أنّ اختلافًا واضحًا بين السلوك الفردي والسلوك الجماعي شغل حيزاً كبيراً من تحليلات المفكرين والفلاسفة، ومن أشهر المفكّرين الذين تعمّقوا في تحليل السلوكيات البشرية هو المفكر والطبيب والفيلسوف الفرنسي (Gustave Le Bon) الذي شرح العلاقة بين الفرد والجماهير مثبتاً نظريته من خلال وقائع تاريخية، حيث أكّد في كتابه الذي شكّل نجاحاً منقطع النظير على صعيد علم النفس الجماهيري تحت عنوان ( سيكولوجية الجماهير ) فيي هذا الكتاب يقول (Le Bon) “إنّ العقل ينتهي عند الفرد “، فهو اعتبر أن الفرد حين يتحوّل إلى جمهور يصبح كتلة عاطفية هائجة ينتهي عندها ما يسمّى العقل ! فالجمهور هو العنصر الرئيسي الذي يحدّد مصير الدول، والاستبداد والتعصب يشكلان بالنسبة له عواطف واضحة جداً، وهذه العواطف تحترم القوة وتعتبر الطيبة شكلاً من أشكال الضعف، وأكثر ما يؤكد نظرية الفيلسوف الفرنسي هو تلك العواطف التي تتّجه نحو الزعماء المستبدين الذي سيطروا عليها بقوة وبأس، وصرف النظر عن أولئك الرّحماء طيبي القلوب واعتبارهم ضعفاء !
إذاً عندما نكلّم إنساناً منفرداً سنجده انساناً عادياً عاقلاً ولكن حين ينخرط هذا الفرد في جمهور سيتحول إلى كتلة تحكمها العواطف وتسيطر عليها (ديماجوجية) القادة الذين يؤثرون على الأفراد من خلال خطاباتهم العاطفية .وفي خطاب تأثيري لنابليون في مجلس الدولة الفرنسي نرى كيف بإمكان الديكتاتور الوصول إلى قلب الجماهير ونستشهد بما قاله آنذاك : “لم أستطع إنهاء حرب الڤاندي إلا بعد أن تظاهرت بأني كاثوليكي حقيقي، ولم أستطع الاستقرار في مصر إلا بعد أن تظاهرت بأني مسلم تقي. وعندما تظاهرت بأني بابوي متطرف استطعت أن أكسب ثقة الكهنة في إيطاليا. ولو أتيح لي أن أحكم شعبًا من اليهود لأعدت من جديد هيكل سليمان”.
إذاً يمكننا القول بأنّ عملية اندماج الفرد في الجمهور ليست إلا عملية تلاشٍ للشخصية الواعية، وسطو واضح للّاوعي، والمثال الأكبر نشهده في بلادنا العربية وخصوصاً لبناننا العظيم الذّي يعجّ بالطوائف، وتقتحمه زعامات ديكتاتورية، وتسطو على حكمه عائلات موروثة استطاعت على مر السنين أن تكتسب حيّزاً جماهيرياً ضخماً، يصعب علينا اليوم انتزاعه من عقول الشعب .
فهل هنالك من حلول تساعدنا على التخفيف من وطأة الطبول التي يقرعها ساسة بلادنا في رؤوسنا كي يوقفوا صوت العقل والضمير ؟

 

Exit mobile version