ليندا حمّورة | كاتبة سياسية لبنانية
إن لبنان الصغير بحجمه والكبير بمقاومته يؤرق كل الطامعين في السيطرة على المنطقة والمتآمرين من أبنائها عليها . وبما أنّ لبنان في المفاهيم السياسية هو الأضعف والأقل تماسكاً بحكم تركيبته الطائفية، نجد أنّ الحلّ الوحيد لوقف اهتزازات الوطن هو الإسراع ببدء إرساء دعائم الاستقرار من خلال الحوار للوصول إلى توافق لبناني – لبناني، خلا هذا الحوار لن نصل إلا لدمار شامل يودي بالجميع الى قعر الهاوية .
لبنان اليوم مشرذم مبعثر كمدنه التي يعيش قسماً منها في العسل بينما البعض الآخر يوضع على الرفّ ، تماما كما هو حاصل اليوم مع مدينة طرابلس، وطرابلس هنا مجرد مثال ، تلك المدينة التاريخية العريقة، عندما كان ناصر يصيح بالثوره كانت طرابلس تجيبه بصوت هادر، انها ضمير لبنان الهادر، وكيف وهي التي خرجت القامات الوطنيه من عبد الحميد كرامي وابنه الرشيد الشهيد وغيرهم من القامات …؟وهي التي وصفها عظماء من التاريخ كالشريف الادريسي وابن بطوطة وغيرهم وتغنوا بجمالها وموقعها الاستراتيجي وشاطئها الجميل وتلك الجزر المهملة في بحرها، للاسف نحن لا نذكر طرابلس الا بالسوء نذكرها حين ينتفض شعبها بسبب الفقر والجوع، للاسف دولتنا الكريمة فاشلة بانماء الوطن واعلامنا فاشل ايضا لانه يهتم بالتحريض وتصويب السهام بوجه المصائب ولا يعنيه جمال بلدنا وتاريخه، بئس وطنٍ يُقتل ويهشّم ويُدفن وما زلنا نصفّق ونزغرد وننثر الورود والأرّز على من قتلونا ودمرونا ..
لبنان اليوم يعيش مرحلة عصيبة ولكنها ليست سوى زوبعة في فنجان، لطالما شرب اللبنانيون بدل الكأس كؤوساً من العلقم فعاشوا أبشع اللحظات مع حرب أهلية استمرت خمسة عشر عاماً وما زالت ذيولها تلاحقنا مع كل صراع جديد، الحرب التي بدأت شرارتها في الثالث من نيسان عام ١٩٧٥ والتي راح ضحيتها ١٥٠ ألف قتيل و١٢٠ ألف مفقود إضافة إلى تشريد ونزوح مئات الآلاف، انتهت آنذاك باتفاق الطائف في عام ١٩٩٠ والذي اعتمد على تقاسم السلطة والأحزاب الرئيسية مما عزّز السياسات الطائفية والتحولات السكانية، قد يكون اتفاق الطائف بمثابة علاج مؤقت لمرض عضال اخترق عظام الوطن ولم يعد قادراً على محاربته ولكن هل من الممكن أن تشتعل نيران الفتنة الأهلية مجدداً ؟
قد تكون الأزمات الإقتصادية التي يمر بها اللبنانيون شبيهة بذلك الكساد العظيم الذي اقتحم أميركا في ٢٩ تشرين الأول من العام ١٩٢٩ ولكن هل من الممكن الاستعانة برئيس يحمل فكر فرانكلين روزفلت آنذاك ؟ وهل إذا أتانا ذلك الفارس على حصان أبيض سيُسمح له بممارسة سياسته بملء إرادته دون الاملاءات الغربية والمسودات العربية …
لم يعد وجع المواطن اليوم سببه الجوع أو الفقر إنما هو الخوف الذي بات يتربص في عقول السكان خوفاً من زلزال كوني مدمّر، علماً أننا نعيش سلسة هزات سياسية لا تعد ولا تحصى وآخرها كان زلزال المصرف المركزي الذي يصدر من خلال فالق متوحش يدعى رياض سلامة، أيعقل أن يمدّد لهذا الفالق ويكون الزلزال الأعنف ؟
أسئلة كثيرة ولكن الإجابة عليها غير واضحة، ضباب يلفّ لبنان وأوجاع بالجملة، بعضنا يمزّق بعضنا، وبتنا كمن ينفخ في الرماد نريد المساواة حتى لو كانت عن طريق الظلم لأن المساواة في الظلم عدل، فهل من عدالة بانتظارنا ؟
المصدر | https://www.sabahelkheyr.com/?p=3265