ليندا حمّورة | كاتبة واديبة لبنانية
يولد الإنسان نقيًّا طاهرًا لا يعرف للخبث سبيلًا ولا للشرّ مكانًا، فكلّ ما وضعه اللّه به هو تلك النفحة الإنسانية التي تتجلّى في صورته وفكره وقلبه. يكبر المرء وتكبر معه صفاته ومزاياه التي قد تتبدّل ويتغيّر لونها وحجمها واسمها وربما تلك الإنسانية تصبح وحشية، والخير ينقلب شراً، ويحتل الخبث منزلة الحبّ، ومفهوم الحرب يطغى على مبدأ السلام، فأين نحن اليوم من الإنسان ؟
منذ فجر التاريخ والبشرية تشهد معارك قتالية وحروب لا تعد ولا تحصى تتعدد فيها الأسباب ولكنّ الحرب واحدة :قتل وتهجير وجوع ودمار وأوبئة وفقر .
وعلى الرغم من التطورات التي يشهدها عصرنا اليوم إلا أننا لم نستطع تطوير مفاهيمنا ومعتقداتنا وطباعنا وموروثاتنا، فمن ذا الذي يزيل من عقولنا مفهوم الصراعات البشرية التي تدمّر دولاً بأكملها ؟
وإذا نظرنا إلى الحياة منذ ظهور آدم حتى يومنا هذا، سنرى أنّ التاريخ يكاد ينفجر من وحشية الإنسان وتصرفاته الخارجة عن مفهوم الإنسانية، ولا نخفي أنّ ظهور الديانات السماوية غيّر الكثير من مفاهيم الناس وجعلهم أقرب من الله، إذ يكفي إيمانهم بقوة عظمى يخشونها ويهابونها. إلا أن هذا الأمر ترك في عقول الكثيرين تلك النزعة الوحشية التي تكاد أن تكون أقرب للحيوانية منها للإنسانية .
لا يولد المرء شيطانا لأن الشيطان القابع في داخل كل منا يظهر بدافع الظروف والعوامل البيئية التي تفرض على ذلك الشبح بأن يولد وينتفض، فالسارق ليس الا انساناً منعته الظروف من الحصول على لقمة عيشه بكرامة ممّا استشاط شيطانه للسلب والسرقة، والقاتل إنسان دفعته ضغوطات الحياة ومشاكلها إلى القتل. ولكن إذا سألنا أنفسنا من المسؤول عن هذا كلّه سنجد الجواب أمام أعيننا ، إنها الحكومات الفاسدة التي تطيح بالإنسان وتدمّره وتُخرج شياطينه النائمة ليصبح شريرا وسارقا وقاتلا ومجنونا .
معالجة الإجرام تكون بالعقاب، ولكن حتى العقاب يجب أن يكون منطقيًّا وإنسانيًّا وبعيدًا عن الوحشية، ففي نهاية الأمر ذلك المجرم هو إنسان خلقه الله تعالى ليعيش حياته ولو أراد قتله لفعل ذلك بطريقة بعيدة عن قتل الإنسان لاخيه الإنسان .
أما عن مفهوم الإعدام فتختلف طرق تنفيذه بين دولة وأخرى، وتختلف وجهات النظر حول كيفية العقاب والمحاكمة،فنرى دولًا ما زالت تنفذ الإعدام بصورة وحشية يعجز الخالق عن تقبلها ولكنّ السؤال هنا : هل الله تعالى يرضى بهذا القتل الوحشي لروح خلقها كي تحيا بسلام ؟
لا أريد أن أغوص كثيراً في بحور القتل والإعدام، ولكن أود أن أكون إنساناً عادلاً بفكره وضميره، أريد للعدالة أن تكون أكثر إنصافاً وأن يكون العقاب الأكبر لأي مجرم حكمت عليه ظروفه بأن يرتدي ثوب الإجرام رغماً عنه، قتل حريته إلى الأبد وأظن أن هذا أصعب بكثير من قتل الأرواح والتلذذ بطريقة الإعدام. لست هنا لأدافع عن الإجرام لا بل أردت أن أكون ابنة الله الذي أوصى الإنسان بأخيه الإنسان وخلقنا جميعاً من لحم ودمٍ ونفح فينا روح الطهر. أردت أن أرفع صوتاً ينادي باللا قتل وأن لا يكون العقاب أفظع من الجرائم. عاشت عدالة السماء ولتمت عدالة الإنسان اللا عادلة .