ليندا حمّورة | كاتبة وباحثة لبنانية
ها نحن اليوم أمام مشهدية مغايرة لكيان يُسحق شيئا فشيئا، جميعنا نرى بأم أعيننا صورة ” إسرائيل” التي اهتزت خلال هذه المرحلة في العالم، وبخاصة انتهاكاتها الوحشية التي تبيد بها المواطنين الفلسطينيين دون أن يرف لما يسمى بالمجتمع الدولي جفن، والشاهد الأكبر على ذلك مشهد القصف الوحشي لمستشفى المعمداني وقتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ والشباب والطواقم الطبية، ولن يكون إجرامها في مخيم جباليا الحلقة الأخيرة من مسلسلها الدموي الذي أراق دماء ما يزيد عن ٤٠٠ شهيدٍ في ضربة واحدة على مرأى و مسمع الغرب الذي يطمس حقيقة تلك المجازر إلا أنهم يدركون تماماً أنّ القضية الفلسطينية في كل مرة تعود لتتصدر القضايا العالمية وإن من بين الركام والضحايا .
إن الرؤية ” الليبرالبة ” للوجود اليهودي تثير بلبلة وحرجاً في الحركة الصهيونية، وهذا يجعلنا نغوص قليلاً مع عالم الاجتماع الفرنسي الليبرالي الذي أفصح ذات يوم عن المشكلة العميقة للهوية اليهودية في كتاب حمل عنواناً معبراً ومقلقاً في آن واحد : ” نهاية الشعب اليهودي ” ، فما الذي سيبقى من اليهودية وملحمتها التاريخية بعد أن تصبح ” اسرائيل” دولة عادية متحررة من عقدة التطويق؟ ومندمجة في النسيج الاجتماعي الثقافي للمنطقة العربية؟ وطبعاً بعد أن تأخذ جاليات الشتات اليهودية طريقها الى الاندماج في مجتمعاتها لتغدو طائفة دينية مثل غيرها ؟ هذا كله إن دلّ على شيء سيدلّ على مصير اليهود بتصفية ذاتية لوجودهم وخصوصياتهم التاريخية .
ثمة قضايا يقف العقل والحس العربي أمامها عاجزاً عن إيجاد الحلول المناسبة وذلك بسبب الإنخراط والتطبيع الذي بات سياسة ثابتة لا مفر منها ! ولو أبيد العرب بأجمعهم، ولو دُنّست دور العبادة وتحطمت على رؤوس المسلمين والمسيحيين فالسياسة أصدق من الحقيقة التي يعيشها أبناء غزة اليوم ! فنحن اليوم لسنا بحاجة لاتفاقات دون جدوى كتلك التي وُقّعت فيما مضى تحت اسم ” كمب ديڤيد ” و” أوسلو ” اللتين هلّل لهما آنذاك الرأي العام الغربي وكأنهما الحل النهائي للصراع العربي ” الاسرائيلي” ولم يكن الا حبراً على ورق ازدادت بعده التوترات الإقليمية والتفككات السياسية واللااستقرار المستمر …وما “الطوفان” إلا دليلٌ على ذلك.
نحن كعرب بتنا شهوداً على هذا العالم المعقّد ولسنا غافلين عن الإعلام والقرار الغربي وصنّاع القرارات الغربيين الذين باتوا أسرى مقولات ومفاهيم مبسّطة وسخيفة لا تتناول تعقيد العالم بأي نوع من العقلانية، وجميعها مفاهيم فرضتها الإدارة الأميركية في شعاراتها الحربية المختلفة .
في وقت تتوالى فيه العمليات العسكرية في قطاع غزّة، وتأرجح في آراء الصهاينة حول التوغل البري لغزّة التي تكبّدهم فيها المقاومة الفلسطينية خسائر فادحة، ما زال موضوع الاجتياح معلقاً على رفّ الخوف والتوتر الذي يعاني منه ذلك الكيان الغاشم، ربما اليوم فرضية التوغّل تنتظر ظهور سيد المقاومة وما يظهره خطابه من بوادر لإمكانية سلوك طريق جديد نهضوي الطابع وعقلاني .
يصعب علينا في هذه الفترة وضمن هذه الظروف التي يعيشها عالمنا العربي أن نتنبأ بوصلة المستقبل، سواء بالنسبة لتوسيع المجابهة لتصبح حرباً شاملة، بين الغرب الجماعي الذي تملكه الجنون الاستعماري المطلق، وقوى المقاومة العربية بمختلف أجنحتها، ويبقى الجواب لما بعد الخطاب المنتظر في الثالث من تشرين الثاني المقبل وما نحن لهذا الحدث إلّا منتظرون .
وحتى يحين ذلك الموعد تبقى القدس قبلتنا وفلسطين قضيتنا ومقارعة المحتل حتى الرمق الأخير نهجٌ عنه لا نحيد.