ليندا حمّورة | كاتبة واديبة لبنانية
يقول أبو الطيب المتنبي في جمال الوجه وجمال الأخلاق : ومَا الحُسنُ في وجهِ الفَتَى شَرفاً لَهُ إِذا لم يكُـنْ في فِعْلِه والخَلائقِ، منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا لم نجد تعريفاً واضحاً للجمال، فكل كائن يرى الجمال بعينٍ مغايرة للآخر وهذا ما ينطبق على قيس ابن الملوّح حين سألوه عن حبه الكبير لليلى وهي ليست جميلة أجابهم : ومن منكم يرى ليلى بعيون قيس ؟
على مر العصور جميلات كثر لا تزال اسمائهن خالدة وصورهن محفورة في كتب التاريخ نذكر منهن نڤرتيتي وكليوباترا، وإيزابيللا، وجريس كيلي …، وغيرهن كثيرات ولكن يبقى السؤال ما هو المفهوم الحقيقي للجمال ؟ المرأة جميلة وتحب الجمال كما أنها تشعر بثقة عالية حين تنظر في مرآتها وتسألها عن جمالها في كل يوم، هي غريزة النساء، وحبهّن للظهور في أجمل صورة ممكنة، وقد يكون الجمال عاملاً من عوامل الجذب للآخرين الا أنّه لا يكفي فالجاذبية أو بمفهوم آخر الفتانة والسحر هما أساس الجمال، يقول “إيريك نيوتن ” :«الجمال هو شيء يبعث فينا اللذة والمتعة وما يسرّ ويبهج إنساناً لا يبهج بالضرورة إنساناً آخر». من هنا يمكننا أن نقول : الجمال لا قانون له ولكن للأسف نحن اليوم نفتقد كثيراً للوجوه البريئة الخالية من المواد السامة التي تقتل ملامحها وتشوّه معالم الخالق الحقيقية، إننا نعيش في مرحلة سباق وتحدٍّ مع عمليات التجميل، إذ إنّ أكثر النساء بتن يعيشن هوساً حقيقياً اسمه التجميل وباتت عيادات التجميل ملاذهن الوحيد ووجهتهن الدائمة حتى لو لم يملكن المال فهن مستعدات لبيع ممتلكاتهن من ذهب وغيره فقط لإرضاء غرورهن، ولاثبات ثقتهن بأنفسهن حين يقفن قبالة المرآة .
لبنان اليوم ورغم ما يعانيه من أزمة اقتصادية فادحة إلا أنّه يعدّ من الدول المستقطبة للسواح الذين لا تعنيهم حضارات ولا جمال طبيعي بل هدفهم الوحيد هو أطباء التجميل وخصوصاً اللبنانيين الذين باتت أسماء البعض منهم لامعة في سماء الجمال .
ترى ما الذي يدفع المرأة للغرق في بحر عمليات التجميل ؟ أهي الفطرة التي تمتلكها بأنها يجب أن تبقى جميلة دوماً ؟ أم أن فقدان قوامة الرجل لقيمتها، وإفساد الذوق العام من خلال الرغبة الجامحة في التقليد وعقد النقص من الأبيض ؟ أسئلة كثيرة تجعلنا نضيع في عالم يعج بعيادات التجميل والمتجملات حتى أننا بتنا نجد رجالاً كثر يقصدون أطباء التجميل لاجراء بعض التصحيحات على معالم ظهور الشيخوخة التي لطالما كانت وقاراً لهم على مر العصور …
عصر الدمى البشرية بات خارجاً عن المألوف، ولم نعد نرى أطباء تجميل يسعون لتصحيح تشوه خلقي أو بسبب حادث ما، بل إنهم باتوا يشننون معارك طاحنة مع حقن ” الفيلر، والبوتوكس، والبلازما، وعمليات الشفط، والتكبير والتصغير …” أسفي على زمن ضاعت فيه الحقائق واختبأت تحتها مواد سامة لا نعرف عواقبها .
ويبقى الجمال الحقيقي ذلك النور الذي يعكسه داخلنا من خلال أخلاقنا ومبادئنا ومحبتنا، وكما قال الرائع جبران خليل جبران : ليس الجمال في ملامح الوجه، الجمال الحق هو نور ينبع من القلب .