ليندا حمّورة | كاتبة و اديبة لبنانية
يكفيك زيارة واحدة لإحدى قرى البقاع الأوسط ( في لبنان) لتشعر بأنك تجوب في شوارع نيودلهي، على مفترق كل بلدة يقف عدد هائل من “صرصار الأرض ” أو كما يسمّونه التوك توك في انتظار الرزق الذي بات محصوراً في تلك المركبة ذات العجلات الثّلاث …
ظاهرة التوك توك تخترق شوارع القرى غير آبهة بازدحام المركبات، وتسير في أزقة ضيقة دون اكتراثها لأي عائق قد يعترض طريقها . قد يكون الوضع الاقتصادي والغلاء المعيشي والارتفاع الهستيري للمحروقات سبباً أساسياً لظهور هذه الآلة التي قد تبلسم بعضاً من مواجع كلفة المواصلات الباهظة. في زمن التطورات والأقمار الصناعية والرحلات الكونية ها نحن نعود إلى الوراء ونبحر في مستنقعات الفقر الآسنة بحثاً عن سمكةٍ نسترزق بها في عهد الجوع والعوز .
من مفارقات التاريخ الهزلية تلك الارتباطات الشرطية بين التقدم والتخلّف، فكلما غاب ابتكار حضر انكسار، وكلما اقتربنا من القمم تراجعنا نحو السفوح، تغادرنا الملائكة فتحضر الشياطين، تغيب العمالقة فتتألق الأقزام، ينتزع العلم فتدبّ الخزعبلات، ونحن في حيرة السؤال : في تاريخ أيهما نحن ؟
إننا اليوم وأكثر من أي وقت مضى نبحث خلف التوفير في كل شيء لأن الغلاء الفاحش استفحل وبات وحشاً كاسراً يقضم حاجاتنا ويحرمنا من أبسط مستلزماتنا الحياتية، فلا يمكننا أن نلوم شريحة كبيرة من الشبان الذين اختاروا التوك توك كوسيلة عيش بديلة عن وسائل كثيرة باتت صعبة المنال، قد يكون صرصار الأرض سبباً للكثير من الحوادث اليومية في ظلّ انعدام قوانين السير وازدحام المارة والحفريات الموجودة على الطرقات، ناهينا عن ركاكة هيكله وعدم وجود أبواب أو أحزمة أمان مما يعرّض الركاب للخطر في حالة الاصطدام …
أبو جهاد واحد من أبناء بلدة بر الياس البقاعية بعد سؤاله عن سبب عمله كسائق “توك توك” أجاب بعينين دامعتين : ” والله الظروف خلتني كون شوفير لهالمكنة بعد ما كنت اشتغل بمعمل ومعاشي بطل يجيب ٢ كيلو لحمة للاولاد شو بعمل بشحد ؟ ”
أما عُمَر ذلك الشاب الثلاثيني يقول: ” أنا مش مبسوط إني شوفير توك توك يمكن عمبقدر فرّح الناس ونسيهم وجعهم بيطلعوا معي كرمال بضل مشغل الأغاني وهني مش عارفين إني من جوا محروق لأن مش قادر أمّن مستقبلي “.
تُرى ما الذي سيشهده لبناننا بعد ظاهرة التوك توك ؟ وهل من الممكن أن ننتقل قريباً إلى الدراجات الهوائية ؟ أسئلة كثيرة في بلدٍ يزدحم بالمآسي والأزمات والاقتصاد المدمّر، والغلاء الفاحش، فيا أيها الصرصار بعجلاتك الثلاث هل سيبيدونك قريباً أم أنك ستنغل في كل المناطق وتصل إلى العاصمة بيروت ؟