كتبت ليندا حمّورة | ثوانٍ بساعات
ليندا حمّورة | كاتبة واديبة لبنانية
ليست دقائق لا بل هي بضع ثوانٍ ترسم مصيرك، بضع ثوانٍ عليك أن تختار وتتخذ القرار الأنسب، فإما حذفك من هذا الوجود أو نجاتك، الموت أو الحياة، الإصابة أو الاستمرار في العيش.
نعم بضع ثوانٍ تحييك أو تبيدك، فكيف تستطيع تحكيم عقلك وتحديد مسارك ووجهتك أيها الإنسان في لحظة غضب طبيعي لا قوة عليها ولا رادع لها سوى إرادة الخالق؟
كم أنت بائس أيها الإنسان أمام غضب الطبيعة وشراستها وعنفوانها ؟ كم أنت أبله بسلطتك وسطوتك ومالك وأمجادك أمام لحظة يذهب فيها كل ما تملكه وتُنسى وكأّنك لم تكن أبدا، أجل نحن أوراق يبعثرها الزمن وتتطاير مع الريح، لا نعرف وجهتنا الحقيقية ولا نستطيع تحديد مصيرنا فقط يمكننا أن نرسم أحلامنا ونتمسّك بحبال الأمل الذي لطالما أدمى أيادينا ولكننا لم ندعه يفلت منا . جميعنا نعيش على كوكب نعي تماماً بأنه يتكون من أربع طبقات بدءًا بالنواة التي يلفها اللب الخارجي والغطاء والقشرة، وكلّنا نشهد على كوارث هزّت العالم منذ بدء البشرية حتى يومنا هذا وأكثرها بسبب الزلازل التي تحصل نتيجة تحرك الصفائح في القشرة الأرضية …
دعونا نعيد التاريخ إلى الوراء ونستذكر معاً ذلك الزلزال المدمّر الذي ضرب مدينة “أغادير” في المغرب عام ١٩٦٠ وراح ضحيّته أكثر من خمسة عشر ألف شخص، أي حوالى ثلث سكان المدينة في ذلك الوقت، وإصابة أكثر من اثني عشر ألف شخص بجروح وعاهات، وفقدان خمسة وثلاثين ألف آخرين لمنازلهم، فيما حددت الخسائر بـثلاث مئة مليون دولار تقريباً.
وإذا أردنا الغوص في بحور التاريخ العميقة لوجدنا الكثير الكثير من الزلازل والبراكين والأعاصير والتسونامي… زلزال سوريا وتركيا أخذنا إلى ذلك التاريخ البعيد الذي وقع فيه زلزال دمشق في عام 847، والذي صنف على أنه الأكثر تدميرًا. كان واحداً من سلسلة زلازل عدة ضربت دمشق جنوباً واتسعت لتشمل أنطاكية في الشمال وصلت أيضًا إلى الموصل شرقاً. خلّف الزلزال 20,000 ضحية في مدينة أنطاكية و 50,000 ضحية في مدينة الموصل. ويعتقد أن الزلزال يعد من أكثر الزلازل في العالم العربي التي حدثت على طول صدع البحر الميت…
لسنا هنا لنعيد كل الكوارث الطبيعية التي حصلت على كوكبنا لأنها لا تعد ولا تحصى، ولكننا اليوم نريد أن نسلّط الضوء على تلك الظلمات التي تلّف عقول بعض البشر، وعلى ذلك الجهل الذي يأخذهم للمنجمين والمهرطقين والداعمين للفوضى والتحريض والتهويل… اليوم وأكثر من أي وقت مضى علينا أن نتسلّح بالوعي لأن حرب الطبيعة لا يمكننا مقاومتها بالقنابل ولا بالمتفجرات ولا بالسلاح النووي، نحن أمام فرصة كبيرة للالتفاف والاصطفاف والاتحاد، فرصتنا اليوم قد تكون تكلفتها كبيرة ولكنها حتماً ستجعلناً يداً واحدة فلطالما المصائب وحدّت دولاً وبلسمت مواجع وشفت جراحاً، فلتكن هذه الكارثة طريقاً نحو الخلاص من كل الأحقاد، فلتكن أرواح الشهداء قد غرست فينا بذور النخوة والشهامة والإيمان، وقد يكون زلزال الطبيعة قد حرّك عقولاً نائمة وقلوباً متحجرة، “ورب ضارة نافعة ” اليوم فرصتنا بنقل منطقتنا من حالة الإشتباك إلى حالة التشبيك لما فيه خير للجميع، ودعونا نشد الأيادي على كل من شارك في دعم سوريا وتركيا من قريب أو بعيد، ولتحيا الإنسانية التي لا تزعزعها زلازل الكون …