ليندا حمّورة | كاتبة واديبة لبنانية
حينما نتكلّم عن نواة المجتمع، يعني أننا نسلّط الضوء على الأسرة، فمنها تنطلق الأسس التي تدعّم الأجيال وتثبتّ خطاها، ومن خلالها يتمّ غرس بذور الوعي والثقافة والمحبة في عقول الأبناء فينطلقون إلى واقعهم بثبات، دون خوف من أي منعطف قد يعترض طريقهم، فهل ما زالت اسر اليوم قادرة على ضبط السياق التربوي ؟
يقول الخليفة الراشدي عمر بن عبد العزيز (الصلاح من الله والأدب من الآباء ) وهذا خير دليل على أهمية الأسرة في تربية الأبناء وتعليمهم الأدب والأخلاق وحثّهم على عدم الإنجراف خلف الرذائل، خصوصاً أننا نعيش اليوم في عصر الانحطاط الفكري والأدبي وقد زاد الطين بلّة ذلك التطوّر التكنولوجي الذي قدّم لأبنائنا قنابل قذرة ملأى بڤيروسات تشّل أخلاق الشبان والشابات وتجعل منهم بائعي هوى وهم في عمر الحداثة … وآخر تلك القنابل كان ( التيك توك ) .
لا يمكننا أن نلوم التكنولوجيا ونقول أنها السبب في تدمير الأخلاق، لأننا نعرف تماماً أن كل اختراع جديد هو سلاح ذو حدّين، فلا يمكننا أن نمسك المسدس ونوجهه نحو صدورنا، ولكن للاسف الكل اليوم يقتلون أنفسهم بتصويب الأهداف نحو أجسادهم فبدأوا بقتل كل ما غرس بداخلهم من بذور العفة والطهارة، واستبدلوها ببذار الانحراف . وهنا نضع اللوم الكبير على انحلال عرى الاسرة وقلة اهتمام الآباء بأبنائهم وذلك أيضاً بسب انشغال كل منهم بهاتفه المحمول وبذلك العالم العائم بالتلوث الأخلاقي، فمن ذا الذي يرعى الأبناء وسط هذا الضجيج القاتل ؟
للبرامج الالكترونية مبادىء وأسس، ولكننا وللاسف الشديد ما رأينا في التيك توك إلا مبدأ اعلاء التفاهة، وسخافة القدوة، إنّه ليس إلا مسرحاً للنجومية الفارغة بالطمع المالي، وهذا ما جذب الشابات وخصوصاً من هن دون الثامنة عشر من عمرهن وجعل منهن دمى تقودها موسيقى سخيفة وفيلترات تجعل من الشبح ملاك، آه من زمن أوصلتنا تطوراته إلى الهلاك !
لسنا في هذا العالم كي نتبع لسياسات واسس واساليب غير قيادية وبعيدة عن تنشئة الأجيال، فنعمة الإنسان بأن الله سبحانه وتعالي ميّزه عن سائر خلقه بالعقل، لذا علينا بالتفكير والادراك بايجاد حلول تخلصنا من ذلك الشبح الذي يتربص بمنازلنا وينام ويأكل على موائدنا وللاسف البعض بات يدخله إلى المرحاض معه وحتى أنه يشاركه في الاستحمام أيضاً…
فماذا يُنتظر جيل التيك يا ترى ؟ هل هذا هو التطور الذي كنا ننتظره ونسعى جاهدين لنعلّمه لأبنائنا ؟ هل بفضله سنستطيع أن نعيد مجد أدبائنا ومفكرينا علمائنا وأطبائنا … للأسف بات الصراع في هذا العالم أقوى، وأضحت الحرب جامدة يصعب علينا تفكيك جليدها وان استطعنا تفكيكه فربما سيغرقنا جميعاً …
صحيح إن العلم نور ولكن مع نور التيك توك انطفأ بريق الأمل بتكنولوجيا تعيد لأبنائنا مجد حضاراتهم …