ليندا حمّورة | كاتبة وباحثة لبنانية
وأنا أشاهد بعض عناوين الصحف اليومية، لفتني موضوع الإجلاءات للرعايا العرب والأجانب ، وبتّ في حيرة من أمري، هل نحن نعيش حرباً لا نراها ؟ أو أننا نتخبط في كوارث بيئية مستترة عن عيوننا ؟ أم أن هذه الدول لديها نظرة بعيدة وتنبوءات بحروب مقبلة تكون خلف الستار؟ مضحك مبكٍ أمرك يا لبنان، لا تكفيك ألاعيب السياسيين المحليين، وها هم يراهنون عليك من خارج الحدود، فهل ستهزم مآزرهم أو ستسمح لهم بتدميرك ؟
المشهد في لبنان يبدو معقدًا ومحيرًا، حيث يتراوح الأمر بين تصاعد التوترات المحلية والتأثيرات الإقليمية. يبدو أن السياسيين المحليين لا يكفون عن لعب أدوارهم، في حين يظهر أن هناك اهتمامًا خارجيًا بمستقبل لبنان. السؤال المحوري هو ما إذا كان لبنان سيستطيع مواجهة تلك التحديات أم سيصبح ضحية
لتصفية الحسابات الإقليمية؟
أول الغيث قطرة، وها هي القطرة تأتينا من عين الحلوة، إنها الحجة الوحيدة التي اختيرت كي تكون السيل الذي يجرف أشقاءنا العرب، ويجعلهم يهربون وكأن البحر أمامهم والعدو خلفهم وما من مفر غير الركوب في طائرات توصلهم إلى بلادهم الآمنة … دعونا نبعد قليلاً عن موضوع الرعايا الذين هم أصلاً لا وجود لهم، وننتقل إلى الفنادق اللبنانية والمطاعم والحفلات التي تقام كل ليلة، ولنرنو قليلاً على الحضور الكريم، سنجد الجماهير الغفيرة كلها من البلدان العربية المجاورة ، وهذا ما يجعلنا نتساءل ! هل الوضع الأمني في لبنان محصور في تلك السفارات والمكاتب الدولية ؟ و هل يمكن للبنان أن يحتمل أن يكون ساحة لتلك الأحداث دون أن تنعكس تلك الآثار على الأمان الإقليمي؟
الكارثة الحقيقية إن حصلت على الأراضي اللبنانية لا تشكل خوفاً على رعايا عددهم لا يتجاوز العشرين من جميع الدول، ولكن إن كان لدى أحدهم أي معلومة عن حرب مرتقبة فليساعدنا لإعادة أشقائنا السوريين لأنهم هم المتضررون الأكثر كون عددهم تخطى عديد اللبنانيين،
ومن ناحية أخرى كون بلدهم بات آمناً أكثر من لبنان، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه ما موقف الأمم المتحدة الداعمة للاجئين السوريين من كل ما يحصل على الساحة اللبنانية ؟ وهل سيسعى المجتمع الدولي للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، أم سيسمح بأن يكون لبنان ضحية للظروف المعقدة والمتلاحقة؟
جميعنا يعلم بأن الأزمات اللبنانية منذ ولادتها تحمل جوانب جيوسياسية كبيرة، واليوم أزمتنا تتمركز حول الأوضاع السياسية والاقتصادية المتفاقمة. يواجه لبنان تحديات سياسية هائلة تشمل تشكيل حكومة، تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وإيجاد حل للأزمة المالية الخانقة.
وما تشهده الساحة اللبنانية من تعقيدات ما هو إلا نتاج عن تأثير الصراعات الإقليمية والإستقطابات الداخلية . مناورات سياسية وحزبية ومفاوضات جميعها تصب في بحر النفوذ والسيطرة على المؤسسات والحكومة ! إن هذه الديناميات تترك تأثيرات وتداعيات سلبية على الحكومات وقدرتها على تنفيذ الإصلاحات وتحسين الأوضاع.
على الرغم من تحديات الأزمة، تواجه الحكومة الصعوبة في الاتفاق على حل مشترك يلبي تطلعات الشعب ويعالج التحديات الهيكلية العميقة. ترتبط تلك الأزمة بشكل كبير بنقص التوافق السياسي وتباين الرؤى بين الأطراف المختلفة.وحل هذه الأزمة مرهون بذلك التفاهم الوطني الذي يمكنه إتاحة الفرصة للبنان للخروج من هذا الوضع المأزوم . يجب أن تتمثل الجهود في تشكيل حكومة تمثل جميع الأطياف السياسية وتعمل على تنفيذ إصلاحات هيكلية لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.
في ظل هذه الأزمات المتعددة، يبقى لبنان في حاجة ماسة إلى حل شامل يتضمن إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. يجب على القادة اللبنانيين التعاون بجدية ومسؤولية لتقديم حل للأوضاع الحالية وتلبية تطلعات الشعب.
على المستوى الإقليمي والدولي، يجب أن تتضافر الجهود لدعم لبنان في مواجهة هذه التحديات. يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورًا هامًا في تسهيل التوصل إلى حلول سياسية ودبلوماسية، ودعم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق استقرار البلاد.
في النهاية، تظل الأزمة في لبنان تحتاج إلى جهود مشتركة ومتواصلة من جميع الأطراف المعنية للتغلب على التحديات وإعادة بناء البلاد. إذا تم تحقيق توافق وتعاون فعّال، فإن هناك فرصة لإعادة بناء لبنان وتجاوز هذه المرحلة الصعبة نحو مستقبل أفضل.