ليندا حموّرة كاتبة واديبة لبنانية
وبينما كنت أمارس طقوسي الصباحية مع رياضة المشي، رأيته يسير وحيداً على غير عادته، أي دون كلبه الضخم الذي لطالما كان يجري خلفه، فضولي دفعني للسؤال : لمَ أنت وحيداً اليوم يا أبا سمير وأين (ريكي ) هكذا يناديه دوما ؟ فرد قائلاً : أرسلته إلى المدرسة ! فكانت الصاعقة الكبرى التي ضربت رأسي وزعزعت كياني فحملت أحزائي المرتجفة وهرولت مسرعة نحو المنزل وأنا في حالة الهذيان …
بعضي يمزّق بعضي وعقلي يكاد يطير نحو الأفق باحثاً عن سحابة تغسل عنه غبار التفكير ليعود من جديد وأستعيد معه المنطق الإنساني . في ظل زحمة الأزمات التي يتخبط بها المواطن اللبناني ضاعت حقوق الإنسان وسُحقت أحلام الأطفال وتلاشت طموحاتهم وباتوا يحملون ما لا طاقة لهم به .
حرمان بكل أشكاله ومعانيه يعاني منه أكثر أطفال لبنان؛ أيعقل أن يُحرم طفل من وجبة طعام أو من لباس جديد أو من قطعة حلوى أو من التعليم وفي المقابل هنالك من يدفع أموالاً طائلة ليرسل كلبه إلى المدرسة ؟ أي عدالةٍ هذه بحق السماء ؟ وأي عصر هذا الذي نعيشه اليوم ؟
في تقرير نشر بتاريخ (١١/ أيار /٢٠٢٢) في جنيف 2022) رأى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، أن الأعمال المدمرة للقادة السياسيين والماليين في لبنان هي المسؤولة عن دفع معظم سكان البلاد إلى الفقر، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وفي تقرير آخر للإسكوا بيروت، 3 أيلول/سبتمبر 2021– تفاقم الفقر في لبنان إلى حدّ هائل في غضون عام واحد فقط، إذ أصبح يطال 74% تقريبًا من مجموع السكان.
وإذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82% من السكان.
إن أكثر من نصف العائلات اللبنانية اضطروا لتخطي وجبات الطعام لأطفالهم، ومئات الآلاف من الأطفال باتوا خارج مقاعد الدراسة،وإذا تفاقمت الأزمات أكثر فهنالك خطر شديد على الطفولة التي سيتم دحرها ودفنها خارج أسراب التعليم وسنقضي بذلك على جيل بأكمله ما لم تتم معالجة الموضوع .
ما ذنب المواطن اللبناني الذي جمع جنى عمره في المصرف خوفاً من السرقة أو طمعاً بفائدة بسيطة كي يؤمن أبنائه ويعطيهم حقهم بالحياة، أن يخسر كل تعب السنين ويتلاشى ويتطاير كأوراق الخريف دون أن يأخذ حقه أو من يسأله عن حاله ؟
دولة القانون والعدالة والديمقراطية أثبتت لنا بأنها دولة السلب والنهب والنفاق ، نعم أطفالنا اليوم يصارعون الزمن ويعيشون مسلوبي الطفولة عراة من حقوقهم الطبيعية التي تنص عليها اتفاقيات حقوق الطفل العالمية، وأحد المفاهيم الرئيسية في اتفاقية حقوق الطفل هو أن الأطفال-باعتبارهم أفرادا- لهم حقوق يجب الإشارة إليها وأن تكون ملزمة قانونا وأن تكون خاصة بالطفل وبترعرعه.
لا بد لنا أن نسلط الضوء على واقع مخيف ويهدد بمستقبل الجيل القادم ونتوجه إلى جميع الوزارات المعنية والجمعيات التي تعنى بحقوق الانسان والطفولة ونناشدهم ونشدّ على أياديهم بأن ينظروا لأطفالنا نظرة انسانية فنحن لا نريد الا الحق الطبيعي الذي يجب أن يعيشه الطفل . لا نريد طعاماً لكلابنا وهررنا ولا نريد طوقاً لرقابهم بل نريد خبزاً وكتاباً ومقعداً دراسياً، وكم من عالم يدفنه الاهمال وتسحقه الظروف وتجعل منه ماسح أحذية في شوارع الوطن ؟
ألم يكن “دوستويفسكي ” على حق حين قال : إن رغبتي في عدم الزواج تجعلهم ينعتونني بالمجنون ، أوليس من الجنون أن نأتي بأطفال في ظل هذه الظروف الحقيره؟!