كتبت ليندا حمورة | “سيف الجنوب لا يُغمد

ليندا حمورة* | كاتبة وباحثة لبنانية
لطالما قيل إن السلاح يُصنَع ليُرفع في وجه العدو، ولكن من هو العدو؟
أهو ذاك الذي يعبث بأسلاك حدودنا كما يعبث لصٌّ بأقفال البيوت؟ أم هو الذي ينهش أرضنا كما تنهش الضواري الجائعَ الضعيف؟
العدو، يا سادة، ليس خيالاً في خطابات الساسة، ولا تفصيلة في نشرات الأخبار. العدو وجهٌ من لحم ودم وبارود، ينام على نصلٍ مغروس في خاصرة الجنوب، ويستيقظ كل صباح على شهقة أرملة أو صرخة يتيم.
في لبنان، هذا الوطن الصغير كالكف، تختبئ فيه قلوب تضجّ بالأسئلة، وتفيض من الوجع، لكن لا تجد من يصغي. في الجنوب، هناك حيث تعانق الأرضُ الأرض، حيث تمسك يدُ لبنان يدَ فلسطين، يقف كيانٌ غاصب يلوك الجغرافيا كوحشٍ فقد الإحساس، يمزق التاريخ ببراثن من نار، ويكتب على جدران القرى نشيداً كاذباً اسمه السلام.
أمام كل هذا، يُولد السلاح. لا من رغبةٍ في القتل، بل من حاجةٍ للحياة. لا من عبث الحروب، بل من ضيق الخيار. هناك، في الظلال التي لم تطأها شمسُ الدولة، نهض “الحزب” كما تنهض الحصون في وجه الأعاصير. قدّم الدم على راحة الكف، ووقف في وجه الطوفان لا يسأل: من معي؟ بل يقول: أنا هنا.
واليوم، يصعد بعض السياسيين إلى منابرهم كالمهرجين على خشبة مسرح باهت، يرفعون أصواتهم لا بوجه العدو، بل بوجه من وقف في وجه العدو! يصرخون: انزعوا سلاحه!
وكأنّ هذا السلاح سبق وأن وُجّه إلى صدورهم!
وكأنّ رصاصه مزّق صورهم على الجدران، لا طائرات العدو!
وهل يعقل أن يُطلب من القلاع أن تُهدّ، بينما العاصفة لم تهدأ بعد؟
أم أن في الكواليس صفقات مشبوهة، كحروف خائنة في رسائل حبّ مسروقة؟
أين كنتم حين كانت القرى تُقصف وتُهدم؟ حين كانت أمّهات الجنوب تحفر بأظافرهنّ مقابر لأطفالهن؟
هل نسيتم كيف كتب الجنوب حريته بمداد الشهداء؟
وهل تناسيتم أن سيوف كربلاء لم تُرفع لتُغمد، بل لتُبقي دم الحسين حيّاً في كل زمان؟
فمن أراد انتزاع سلاح الجنوب، فليأتِ كما جاء الحسين، لا بشعارات خاوية، بل بعقيدة لا تنكسر، وبكفّين لا ترتجفان.
السلاح هناك، ليس قطعة حديد، بل نَفَس أخير لشهيد، وقسم لِدَيْنٍ لم يُسدّد، وراية كُتبت بالدم: أن الجنوب لا يُؤخذ إلّا فوق أجساد أهله.
نعم، نحن شعب لم يتعلّم من كربلاء ولا من صبرا وشاتيلا ولا من قانا، شعب تائهٌ بين ذاكرةٍ مثقوبة ومستقبلٍ معلق على شماعة الندم.
لكن هناك في الجنوب، ما زال بعضنا يحفظ الوصايا، ويكتبها على فوهات البنادق لا الأقلام. ومن أراد أن يجرّد الجنوب من سلاحه، فليجرده أولاً من حقه في الحياة!
*نائب رئيس تحرير موقع المراقب