كتبت ليندا حمورة | حروب الألم والأمل
ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية
مما لا شك فيه بأننا نعيش لحظات ممتلئة بالأحداث المريرة، مشاهد مؤلمة تدمي القلوب ننام معها ونستيقظ على واقعها المخزي، مفهوم الحروب مفهوم واضح قتل ودمار وتهجير ولكن يبقى السؤال كم حلقة متبقية لنا لهذا السيناريو الدامي كي تنتهي ملحمة الطوفان ؟
من منا لم يرف جفنه لمشاهد القتل المتعمّد للأطفال والنساء والشيوخ والشباب حتى للحيوانات ؟ كثيرة هي المواجع لكن هنالك وجع رأيته في عيون لطالما سهرت وهي تنقل الصورة والكلمة للإعلام ، في وجه يبكي دماً دون دموع، وجه يحاول التماس الواقع والصبر لمشيئة الله وقدره، نعم إنه وجه آلام غزة ومواجع غزة وذبح غزة وجهك أيها الإعلامي البطل ” وائل دحدوح ” بطولتك في نقل الصورة نقلت لنا صورة الأب المفجوع على عائلته، الأب المناضل الذي يسير تحت القصف وبين الجثث، ها أنت اليوم والد الشهداء وزوج الشهيدة فكيف ستكمل مسيرتك بقلب ادماه الألم وحطمت آماله الفاجعة؟
يعيش الصحفي حياة مليئة بالتحديات والصعاب وخصوصا الصحفي الحربي، حيث يكون في الخطوط الأمامية لتغطية الصراعات المسلحة. يتعامل مع الخطر بشكل يومي، ويشهد المأساة والدماء، هناك لحظات يتعرض فيها وجعه لاختبار قاس. واحدة من تلك اللحظات هي عندما يخسر أحدهم عزيزاً أو قريباً فكيف بذلك الذي سمع نبأ استشهاد عائلته بأكملها ؟ فقدان الأسرة في الحرب يعكس واقعًا مريرًا من حياة الصحفي الذي يجب عليه التواصل مع العالم بأخباره. يجد نفسه محاصراً بين واجبه المهني وحاجته البشرية للحزن والمشاركة في حزنه الشخصي، وجه ” الدحدوح” الحزين فيه من الصلابة والعنفوان ما يكفي ليعطي صورة واضحة بأن المقاوم لا يخشى الموت ولا القتل لا بل إنّه يزداد معه عزّة وشرفاً وتحدياً، نعم تلك الحرب الضروس التي تقطع فلذات أكباد الفلسطينيين وتجعل منهم أشلاءً ترمى في أكياسٍ للقمامة ليست إلا شرفاً عربياً يعطي صورة واضحة لذلك الشعب الذي يرفض الذل ويواجه الموت بكل فخر واعتزاز .
يا صاحب الكلمة الحرة والوجه الإنساني، إن ألمك هذا سيضعك في سلسلة من التساؤلات ربما ستسأل نفسك عن قيمة عملك وما إذا كان بإمكانك ملء الفراغ الكبير الذي خلفته تلك الكارثة عليك !ولكني أجد الجواب في عينيك أجدك تقول بدموع متحجرة سأعمل على تحويل هذه الآلام إلى دافع لمواصلة مهنتي كصحفي حرب، وأجد نفسي اليوم صوتاً لضحايا الحروب والظلم، وخسارتي هذه جزء من تحفيزي لمساعدة العالم في فهم حقيقة ما تشهده فلسطين وغزة من أحداث ومصائب لا أحد يفهمها ولا أحد يستطيع رؤيتها لأن أكثر الأعراب باتوا سلسلة مطبّعة لذلك العدو الذي ينهش أجساد الفلسطينيين ويصطادهم كالعصافير دون رحمة ودون شرف .
وائل الدحدوح هو صورة واضحة للوجع والمعاناة التي تجسّد التضحيات والشجب للعنف والظلم . وهو يعكس قوة الإرادة والرغبة في تغيير العالم رغم الكم الهائل من الصعوبات ولكن الأمل لن يموت فهو سلاحه وسيبقى ينقل لنا صورة الأحداث وسيسعى إلى تسليط الضوء على الأوجاع والظروف البشرية في قلب المعركة لربما تشجّع عربيّ في عالمنا على التفكير في حلّ سريع يوقف أنهار الدماء …