كتبت ليندا حمورة | بين المرض والموت… وطن يبحث عن نبض الحياة

ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية*
في زمنٍ صارت فيه الأمراضُ ضيوفًا غيرَ مرحبٍ بها، تدخل بيوتنا دون استئذان، وفي عصرٍ بات فيه السرطان وحشًا طليقًا يلتهم الأجساد بلا رحمة، غير آبهٍ إن كانت الضحية رضيعًا يختبر أولى أنفاسه، أو شابًا لم يلمس أحلامه بعد، أو شيخًا أضناه الانتظار… نحن اليوم في وطنٍ يقف فيه المرضى على حافة الحياة، لا يملكون سوى أمل يتلاشى بين نقص الدواء وجشع الأسعار وعيون المستشفيات التي لا ترى فيهم إلا فواتير مؤجلة الدفع.
إننا اليوم بحاجة إلى دولة لا تتعامل مع المواطن كرقم في إحصاءات الموت، بل كنبض يحتاج إلى حماية، كجسدٍ يتوسل رعاية قبل أن يتحوّل إلى مجرد ذكرى. نحتاج إلى يدٍ تمتد إلينا قبل أن نسقط، إلى عينٍ تلتفت إلينا قبل أن يلتهمنا الألم… ولكن دولتنا العزيزة تراقب المشهد بصمت، وكأن أرواح شعبها ليست سوى أوراق تتساقط في خريف الإهمال.
أطباؤنا، الذين هم بقية الضوء في هذا النفق المظلم، صاروا هم أيضًا يبحثون عن حياة في أوطان تمنحهم حقهم في العطاء، بعدما ضاقت بهم بلادهم حتى صار الرحيل خيارًا وحيدًا. هؤلاء الذين كان من المفترض أن يكونوا ملائكة الرحمة في مستشفيات الوطن، صاروا طيورًا مهاجرة تحمل دواءها إلى شعوبٍ أخرى، بينما يئن أهلهم هنا بلا طبيبٍ أو علاج.
أيتها الدولة، كيف تمنحين أبناءك شهادة ميلاد دون أن تضمني لهم حق الحياة؟ كيف تتركين المرض ينهش فيهم بلا مقاومة، بينما أنتِ وحدك القادرة على منحهم مظلة تحميهم من هذا الطوفان؟ لماذا تصرين على تقديم ضمانة الموت بدل ضمانة الحياة؟
نحن بحاجة إلى أكثر من مجرد وعود، إلى أكثر من نظرات الشفقة في نشرات الأخبار، نحن بحاجة إلى وطنٍ لا يكون فيه المرض حكمًا بالإعدام، بل محطة للعلاج والشفاء. فهل هناك من يسمع؟ وهل هناك من يملك الجرأة ليمد يده قبل أن يتحوّل الوطن كله إلى مشفى بلا دواء، أو إلى مقبرةٍ صامتة.
* نائب رئيس تحرير موقع المراقب