كتبت ليندا حمورة | الوطن بين أنياب الفساد ومخالب الفشل !
ليندا حمورة | كاتبة وباحثة في الشؤون السياسية
الأمن كلمة غاب أثرها في بلادي ورزحت تحت وطأة الفشل تارة والتواطؤ تارة أخرى، فقد بات الشعب اللبناني المسالم يحيا على أصوات الشبيحة والعصابات وسط غياب تام لسلطة الدولة التي بدورها تركت المواطن فريسة دسمة لتلك الذئاب البشرية. إنّ الأوطان التي تحيا دون أمن وأمان يصيبها الهلع والتخلف فتصبح جثة هامدة تتخاطفها الأمم كما تتخاطف الوحوش فريستها في الأزقة والطرقات ..
لم تعد الأيام التي يحياها المواطن اللبناني كسابقاتها، ولم تعد تهمّنا عبارة “كل عام وأنتم بخير” لأننا بتنا بحاجة لدعاء جديد( نتمنى أن يمضي اليوم بسلام ). يومياتنا أضحت على كف الخاطفين والسارقين وقطّاع الطرق … زلازل الأرض حركت شياطينها ونفخت فيهم أرواحاً جديدة وانتشروا بسهامهم وسمومهم على أرض الوطن، فاستوطن الخطر شوارعنا وغابت معالم الأمان، فهل من حلولٍ تعيد الأمن والاستقرار ؟
يقول الفيلسوف والمفكر اللبناني الراحل أنطون سعادة : “إن أشد حروبنا هي الحرب الداخلية، وهي آلمها وأمرّها، لأنها بيننا وبين فئات من أمتنا نعمل على رفعها وتعمل على خفضنا، نريد لها العز وتريد لنا الذلّ، نتوجه إليها بالاحترام وتتوجه إلينا بالاحتقار، نأتيها بالجد وتأتينا بالاستهزاء” .وها نحن اليوم نعيش حروباً داخلية عديدة، فبتنا لا نختتم يوما واحداً دون جربمة تذكر،قتل هنا وسلب هناك، حادثة هنا وجريمة هناك، إنها يومياتنا المضرجة بدماء الأبرياء الذين يقضون ضحية لمرضى الإدمان والفقر والعوز،لمرضى النفوس والنفوذ والحقد والكراهية…
منذ بضعة أيام استفاقت بلدة القرقف العكارية على خبر مقتل الشيخ أحمد الرفاعي بعد خطفه ودفن جثته في قرية قريبة من قريته تدعى عيون السمك، وتم الكشف عن الجريمة من خلال الجيش اللبناني وشعبة المعلومات اللذين تعاونا منذ بدء اختطاف المغدور على البحث عنه حتى تمكنا من تحديد مكان الجريمة المروعة .ولا يسعنا هنا إلا أن نشدّ الأيادي على المجهود الكبير الذي قدماه لنا شعبة المعلومات والجيش اللبناني لأنهما ساهما في إطفاء فتيل الفتنة الذي كانت قد أشعلته فئات كثيرة هدفها دس السم في العسل وإشعال نيران العنصرية والطائفية …
ولم يمض يوم على جريمة قتل الشيخ الرفاعي حتى انتقل الفلتان من الشمال نحو البقاع وتحديداً منطقة زحلة، نهار الأحد في السادس والعشرين من شهر شباط إذ أفادت “الوكالة الوطنية للإعلام ” أنّ أربعة مسلحين مجهولين على متن سيارة نوع شيروكي مجهولة باقي المواصفات أقدموا على اختطاف المواطن “ميشال مخّول” ابن الأربع والعشرين سنة، عند الساعة الخامسة والنصف من محلة كسارة طلعة سوبر جوس، بينما كان على متن سيارته ولكن لم تمض بضع ساعات حتى تمكنت الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني من تحرير الشاب المخطوف …
لا بد أننا نشهد على جانبين أساسيين لمنحى الجرائم التي تحصل في وطننا، ونرى في الجانب الأول :
أنّ ما يحصل في الساحات اللبنانية ما هو إلا استهداف لوحدتنا واستقرارنا وسلمنا الأهلي، ومن أرادوا العبث في قضية مقتل الشيخ الرفاعي وتحويلها إلى قضية طائفية واتهام ” حزب الله ” بالجريمة ليسوا إلا جماعات تكفيرية ترى في وجود المقاومة شبحاً تريد التخلّص منه بأي طريقة ولو عن طريق إغراق البلد بحرب طائفية جديدة …
أما من الجانب الثاني : فتلك العصابات المنتشرة في أزقة الوطن لم تأتِ عن عبث ولا عن إرادة فردية للخطف والسلب، لا بل هذا ما جنته عصابات السياسة من فساد تغلغلت ذيوله ونتائجه في أذهان شباب الغد الذين يعانون من الحرمان على جميع الأصعدة، فقد سُدّت سبل العيش في طريقهم واختاروا الطرق غير الشرعية…
ليس سهلا على أمة فقدت أمنها وأمانها، فقدت سلطتها وسلاطينها، أن تحيا أو تحافظ على هويتها ومكانتها بين الأمم أو أن تحقق نجاحات في أي من مجالات الحياة، فإذا كان رأس الهرم هشاً فارغاً فالهشاشة ستصل إلى القعر، ولم يستطع أحدٌ إصلاحها، لذا علينا أن نكون أكثر حرصاً وأكثر انتباهاً في هذه الأوقات الصعبة التي نمرّ بها، ولا ننسى أن نحافظ على نزعتنا القومية ونئد الفتنة أينما حلّت، وأن نتسلّح بالأمل فنتكاتف ونتوحّد،ولننشر العدل والأمن والمساواة، ولنجعل الأخلاق أنشودة تحيا بها بلادنا وأمّتنا، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي : “إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”…
عشتم وعاشت العدالة والمساواة في زمن الانكسارات …