كتاب الموقع

كتبت ليندا حمورة | المحبة… ذلك النور الذي لا ينطفئ

ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية
بعد جدال طويل، صمت قليلًا وقال: “قد تكونين على حق، ولكنك عنيدة… والعناد صفة العاشقين.” ابتسمت ولم أُجب، فبعض المعارك لا تُحسم بالكلمات، وبعض الحقائق لا تحتاج إلى دليل سوى الشعور الذي يفيض به القلب.

سألني صديق ذات مساء: “أتؤمنين بالحب؟” أجبته بلا تردد: “لا، بل أؤمن بالمحبة.” نظر إليّ بدهشة وقال: “وما الفرق بينهما؟” فقلت: “شتّان بين هذا وتلك!”

المحبة ليست مجرد فكرة عابرة، وليست حالة مؤقتة تأتي وتذهب كما يشاء الزمن. المحبة نقاءٌ صافٍ، لا تشوبه مصلحة ولا يعكّره شرط. هي امتداد للنور في أعمق زوايا الروح، كما قال جبران خليل جبران: “المحبة لا تأخذ إلا من ذاتها، ولا تعطي إلا من ذاتها.” هي لا تسأل لماذا، ولا تنتظر المقابل، فهي في ذاتها المنبع والمصب، البداية والنهاية.

أما بيننا، فالحب أصبح شيئًا آخر… أصبح تجارة في سوق المشاعر، حيث تُباع العواطف بأثمان باهظة، ويُطلب منك أن تمنح قلبك كاملاً مقابل لحظات مؤقتة. الحب كما نعيشه اليوم يأخذ منك أكثر مما يمنحك، يسلبك راحتك، يعكر صفو عفويتك، يلطّخ نقاءك بشيء من الخوف والغيرة والتردد. الحب في زمننا هذا يرفع شعارات رنانة، لكنه يخلو من الحقيقة، يُطالبك بالتضحية، لكنه كثيرًا ما ينسى أن يمنحك الطمأنينة.

المحبة صلاة، نقاءٌ لا تشوبه شوائب الامتلاك، هي ذلك الشعور العميق الذي لا يحتاج إلى إثبات، لا يُكتب في الرسائل المزخرفة، ولا يُقال على مسامع الجميع، بل يُحسّ في النظرة، في الصمت، في التفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه إليها أحد إلا من أحبّ بروحه قبل قلبه.

المحبة هي أن تترك دون أن تُفسد، أن تمنح دون أن تنتظر، أن تحب لأن الحب هو الحقيقة الوحيدة التي لا تحتاج إلى برهان. فهل نحن قادرون على المحبة حقًا؟ أم أننا أسرى حبٍّ يعذبنا أكثر مما يحيينا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى