كتبت ليندا حمورة | العويل الفارغ : دخان دون نار
ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية
عويل وعويل، ولكنه ليس سوى صدى لصوت ذئب يخاف من شرارة تلمع بالقرب منه. هكذا هي حال من يهددون ويتوعدون ويتحدّون وطناً ترابه مجبول بدماء المقاومين، سماؤه إن أمطرت تفيض الأرض عزة وكرامة. أتريدوننا أن نعيش تحت سطوة التهديد ونحن نعرف تاريخكم وحاضركم، وننتظر معاً مستقبلكم الذي سيكون خاتمة لسلالتكم؟
تعتمد العديد من الدول سياسة التهديد كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتها، حيث يكون التهديد وسيلة لتحقيق أهدافها دون الحاجة إلى الدخول في مواجهات عسكرية حقيقية. في أغلب الأحيان، تكون هذه التهديدات مجرد “تهويل” وليست نية حقيقية للحرب. لطالما نشأت الحروب دون استئذان أو انتظار أو وعيد وتهديد.
ما نشهده اليوم من العدو الصهيوني ليس سوى وسيلة للضغط على خصمه والوصول إلى مبتغاه دون اللجوء إلى العنف. وعلى ما يبدو، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يستخدم استراتيجية التخويف لخدمة خطواته ومصلحته الشخصية. فمن أراد الحرب فعلاً لا يهدد، وتاريخنا خير شاهد على حروب عديدة اندلعت بشكل مباشر دون إنذارات وتهديدات وتهويلات ووعيد وعويل.
في عام 1939، قامت ألمانيا بغزو بولندا بشكل سريع ومفاجئ، ما أدى إلى إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا، ومن ثم اندلاع الحرب العالمية الثانية.
في 25 كانون الثاني 1950، شنّت كوريا الشمالية هجوماً مفاجئاً على كوريا الجنوبية دون إنذار مسبق، ما أدى إلى اندلاع الحرب الكورية.
في الخامس من كانون الثاني 1967، قامت (إسرائيل) بشن هجوم جوي مفاجئ على القوات الجوية المصرية، مما أدى إلى بداية حرب الأيام الستة. لم تعتمد (إسرائيل) على التهديدات الطويلة، بل اتخذت قراراً بالهجوم المباشر لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
في الثاني من آب 1990، غزا العراق الكويت بشكل مفاجئ وسريع.
جميع الحروب التي شهدناها عبر التاريخ كانت حروباً مفاجئة دون تهديد أو وعيد أو عويل أو استئذان. وهذا ما يضعنا في استنتاج مؤكد أن كل ما نمرّ به في هذه الحقبة الزمنية من توتر وزعزعة أمنية ليس إلا دخان دون نار، يشبه إلى حد ما دخان تلك السجائر الإلكترونية التي تحرق الرئات دون أن تحترق. لا تدعوا رئاتكم تضيق من دخان مزيّف، وحافظوا على ما تبقى من هواء نقي في صدوركم، لأن الآتي ليس إلا إكسيراً للسلام والاطمئنان.