ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لينانية*
في وطنٍ ضاق بالحياة واتسعت فيه المقابر، باتت الرصاصة لغة التعبير، والبارود موسيقى المناسبات. هنا، لا فرق بين عرس ومأتم، بين ضحكة المواليد الأولى ونشيج الوداع الأخير؛ فالسماء واحدة، والطلقات تنهال عليها كأنها لعنة تهطل مع كل احتفال وكل فجيعة.
نعيش في وطَنٍ تتكاثر فيه المناسبات، لكنّها لا تثمر سلامًا، بل تُزهر موتًا. في هذا الركن من العالم، يحتفل الناس لا بالكلمات ولا بالعناق، بل بزغاريدٍ من رصاص، وكأن الفرح لا يكتمل إلا إذا خضّب الهواء بالدم. أما الحزن، فلا تليق به الدموع وحدها، بل لا بدّ له من وابل ناريّ يواري الراحلين ويكاد يوارينا معهم.
كيف صارت البندقية بديلًا عن القصيدة؟ كيف غدت الرصاصة نَخوة؟ وكيف باركنا الموتَ بأيدينا، ثم بكينا من رحل؟
إنّ الرصاصة التي تخرج ابتهاجًا، لا تحمل شهادة ميلاد، بل شهادة وفاة تنتظر توقيعًا على جسد عابر لا ذنب له سوى أنّه وُجد تحت سماء تُجلجل بالفرح، أو تحت غيمٍ يبكي الحزن رصاصًا.
يا سادة، لا يُفرّق الموت بين زفّة ومأتم، ولا يعرف إن كانت الطلقة خرجت من قلبٍ فرِح أو قلبٍ مفجوع، لكنها تعرف جيدًا كيف تمزق قلب أمّ، وتُرمل زوجة، وتتيّم طفلًا كان يرسم حلمه على الجدران.
إنّ إطلاق النار في المناسبات ليس عادةً، بل جريمة مغلّفة بثقافة مغلوطة، تُلبِس القتل ثوب العادات، وتُسبغ على الرعونة هالة الشجاعة. وهل الشجاعة أن تقتل بريئًا؟ وهل الرجولة أن تعلن الفرح فوق جثّة؟!
ما أشبه هذا الفعل بمن يزرع شقائق النعمان في حقول الألغام، ثم يستغرب حين تتناثر الألوان بالدم!
لقد آن الأوان لنكسر هذا الموروث السام، أن نقول بصوت لا تطغى عليه الطلقات: كفى!
كفى استهتارًا بالدم، كفى احتفاءً بالموت في ثوب الفرح، كفى تطبيعًا مع العبث.
نطالب بقرار حاسم، لا يتراخى أمام فوضى السلاح، ولا يغض الطرف عن المجرمين باسم التقاليد. نريد وطنًا تُحمى فيه الحياة، لا تُخترق بأعيرة طائشة تُطلقها أيادٍ طائشة تحت وهم الفرح أو ضغط الحزن.
في النهاية، لا تُقاس قيمة الأوطان بكمّ الرصاص فيها، بل بعدد الأرواح التي تُحفظ، والأحلام التي تُصان، والإنسان الذي يُكرَّم.
فيا من بأيديكم القرار، لا تجعلوا المواطن خريطةً لتمارين الموت، ولا تدَعوا الرصاصة أبلغ من الكلمة.
*نائب رئيس تحرير موقع المراقب