كتبت ليندا حمورة | الأركيلة: قاتل ناعم يرتدي ثوب التسلية

ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية
في زوايا المقاهي، وعلى شرفات المنازل، وفي جلسات السهر والسمر، تتسلل الأركيلة إلى حياة الناس كأنها جزء لا يتجزأ من يومياتهم. لا يكاد يخلو تجمع شبابي أو عائلي من هذا الدخان القاتل الذي غزا المجتمع اللبناني حتى أصبح ظاهرة شائعة، لا بل عادة مقدسة عند البعض، لا تكتمل جلستهم إلا بها. ولكن، خلف هذه الأنبوبة الزجاجية، يختبئ وحش صامت يفتك بالصحة ويهدد الحياة، بينما يعتقد المدمنون عليها أنها مجرد “تسلية بريئة”.
الآفة المنتشرة كالنار في الهشيم
أصبحت الأركيلة رفيقة اللبنانيين في كل مكان، حتى في أحلك الظروف. خلال القصف، في الأزمات الاقتصادية، في ساعات الحزن والفرح، كانت الأركيلة هناك، وكأنها “خبز الحياة” بالنسبة لهم. والغريب أن كثيرين يدافعون عنها، ويعتبرونها مجرد عادة اجتماعية غير مؤذية، رغم الأدلة الطبية القاطعة التي تثبت عكس ذلك.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن تدخين الأركيلة لمدة ساعة يعادل تدخين 100 سيجارة! نعم، هذا هو حجم الكارثة التي يتجاهلها الكثيرون، غير مدركين أنهم يعبّئون رئاتهم بالسموم القاتلة، بدءًا من النيكوتين وأول أكسيد الكربون، وصولًا إلى المعادن الثقيلة والمواد المسرطنة.
الأركيلة: قنبلة صحية موقوتة
يدّعي البعض أن الأركيلة أقل ضررًا من السجائر لأن الدخان يمر عبر الماء، لكن الحقيقة أن هذا الاعتقاد ليس سوى وهم قاتل. فالدخان الناتج عنها يحتوي على مواد مسرطنة تسبب أمراضًا مميتة مثل سرطان الرئة، وأمراض القلب، والتهاب الشعب الهوائية المزمن. كما أن مشاركة الأركيلة بين الأفراد تسهّل انتقال الأمراض المعدية مثل السل والتهاب الكبد الفيروسي.
ولا يقتصر تأثيرها على الصحة فقط، بل تمتدّ إلى المستوى النفسي والاجتماعي. فقد أصبحت شاغل الناس الشاغل، تطغى على هواياتهم وطموحاتهم، وتستهلك وقتهم وأموالهم. فبدل أن يُستثمر الوقت في تطوير الذات أو ممارسة الرياضة، يُهدر في جلسات نفث الدخان، وكأنها أولوية تتفوق على أي نشاط مفيد.
الأركيلة: الوجه الآخر للاستعمار الصحي والاقتصادي
لا يمكن تجاهل البعد الاقتصادي لهذه الآفة. فلبنان، الذي يرزح تحت أزمة اقتصادية خانقة، يشهد إنفاقًا هائلًا على التبغ والأركيلة. الملايين من الليرات تُنفق يوميًا على هذه العادة، بينما يعاني كثيرون لتأمين لقمة العيش. والأسوأ من ذلك، أن صناعة الفحم والمواد المستخدمة في الأركيلة تخضع لمعايير تصنيع سيئة، حيث يتم معالجتها بمواد كيميائية خطيرة تزيد من سميتها.
ختاماً : هل من صحوة قبل فوات الأوان؟
الأركيلة ليست مجرد “متعة بريئة”، بل هي مرض اجتماعي واقتصادي وصحي يستنزف اللبنانيين ويهدد مستقبلهم. آن الأوان لصحوة حقيقية، تبدأ من الوعي الفردي، مرورًا بحملات التوعية الصحية، وصولًا إلى فرض قيود صارمة على أماكن التدخين. فكما قاوم اللبنانيون الاحتلال والطغيان، أليس الأجدر بهم مقاومة هذا العدو الصامت الذي يسرق حياتهم ببطء؟