كتبت ليلى عماشا | هاتِ نصغِ لنُطقِ السنين – الأربعون ربيعاً

ليلى عماشا | كاتبة لبنانية

الأربعون ربيعًا.. هاتِ نصغِ ساعةً لما قد تنطق به اليومَ السنين، ونحدّق في سماء العزّ، عزّنا المرصّع بالدّماء، ونردّ البسمة لجيشٍ من بسمات مقمرة تركها الشهداء سقفًا لأعيننا قبل أن يمضوا إلى سوحِ الوفاء ويعبروا.. هات نحصِ شهقات القلوب التي رافقت الطلقات من بنت جبيل إلى القصير، والدمعات التي نُثرت مع الأرزّ في زفّات من فازوا بأن ما عادوا، وأبيات العتابا التي تدفّقت أحرفها من جراحِ الصبر السّاكن في ضلوع أمّ الشهيد وأبيه.. هاتِ نتأمّل أربعين ربيعًا مرّت بها كلّ الفصول وما انحنت للرّيح، ولا أوقعها سيل ولا أعيتها شمسٌ ولا جفّف منابع ثورتها حرّ أو حريق..

 

الأربعون ربيعًا، وجماعة ٨٢، حبّات القمح التي طرح فيها الله ألف ألف موسم فصارت بيادر انتصارات على مدى العين وعين القلب لا يحدّها المدى.. فتيةٌ قاتلوا والذخيرة من مخازن قلوبهم، من ضوء أعينهم، من ميادين بصيرتهم التي رأت، مما رأت، أن زوال “اسرائيل”، مخرز الشرّ، حتمية تتحقق بخطّة قتال وليس حلمًا مستحيلًا..

والأربعون ربيعًا، جبهة استشهاديين ملثّمين لا يظهر لهم وجه ولا اسم ولا يُعرف لهم عنوان، كي يعبروا نحو السماء وقد بذلوا على الأرضِ كلّ ما فيهم لأجل كرامة الإنسان، كي يبلغوا الفتح ونبلغه على جسور من شظايا أجسادهم، فأصبح ما بدا من وجوههم ومن حكاياتهم ومن أصواتهم ذخيرة مضيئة حيّة في قلوبنا إذا عزّت في العتم المشاعل.

والأربعون ربيعًا، شهداء قادة، اجتمعوا على لهفة للقتال، بعد استشهادهم ما غيّبهم الموت كما في حياتهم ما أخّرهم طارىء عن الوصول. قادة عرفوا لون الميدان ورائحة غباره، وحفظت أطراف أصابعهم خطوط الخرائط على أرضها، وكم غسلوا بالدمع نزف الجرحى قبيل اسعافهم، وكم ضمّدوا بالتعب السخيّ جراحهم.

الأربعون ربيعًا، وعمامات تزيّت بهيبة العسكر وشهدت عند السواتر صنع الله بالعين المسلّحة بما عرفت عن سر الله في صنعه، وفتية قاسميون عزّ عليهم أن يشبّوا بعيدًا عن مصنع الرجال الرجال، فخاضوا الحبّ الأوّل في ساحة الحبّ الأسمى.

الأربعون ربيعًا وعوائل الجمع المقدّس للشهداء يتهادون الصّبر والمواساة على الفقد، ينظرون حيث نظرت سيّدة تُدعى زينب بنت علي (عليهما السّلام) وبحياء يردّدون مثلها أن لم يروا إلّا جميلًا.

الأربعون ربيعًا. قلوب تطرّز مشاهد التحرير في العام ٢٠٠٠ بمشاهد من العمليات النوعية التي صيّرته واقعًا، وقلوب تنظر صوب الشام وما بعد الشام وترى في كلّ ما تقع عليه عينها جميلًا ليس يُردّ، وحبًّا ليس يقال، ودمعات تهطل في كلّ مكان وتجري كالنهر إلى الروضة، روضة الحوراء (ع)، كي تُسقى من تراب الشهداء رزقها من العزّ وتتلو على الأحبّة هناك تعبها والشوق.

الأربعون ربيعًا، هذا الزمان الحافل بالحبّ وبالنّصر، ليس عمرًا مرّ، هو حقلٌ يزرع فيه الله أجمل الورد، وردٌ يصنع في كلّ الفصول ربيعه.

 

Exit mobile version