كتاب الموقع

كتب محمود بري | الغرب يُطلق الرصاصة في قدمه…!

محمود بري | كاتب وباحث لبناني

كثيرون يتساءلون بتشكيك عن “سرّ” عدم إنهاء الروس الحرب ضد “زيلينسكي” بعد انقضاء كل هذه المدة عليها، ويُشيرون مباشرة أو مداورة إلى ما يسمّونه “بطولة استثنائية” في المقاومة كسبب لما يعتبرونه “عجز الروس” ومواجهتهم بما لم يكونوا يتوقعونه.
هذا الرأي، على منطقه الظاهري، يشبه خشبة طافية في المحيط، لا يبتلعها الماء ولا تغرق. فهي لا تطفو بفضل مهارة أو بطولة، بل تبعاً لقوانين الطبيعة التي لا فضل فيها ولا مهارة لأحد.
فالجيش الأوكراني ومختلف التشكيلات المسلحة من حوله وفي طليعتها العنصريون الأوكران والميليشيات الفاشية واللمم الإرهابي الذي يزجّه الغرب في الحرب، يحتاج جميعه إلى أكثر من مُعجزة ليكسب هذه المواجهة مع أحد أقوى الجيوش في العالم. أما اليد الأطلسية التي لا يملّ “زيلينسكي” من إحراجها لمناصرته، فهي كما بات معروفاً، تتهيّب الدخول في المعمعة الإنتحارية لأسباب أعلنها الرئيس الأميركي صراحة غير مرة.
لكن على غير ما يفترض المنطق، فالأخطر في هذه الحرب المستعرة، لا يقتصر على الآلة العسكرية العاملة على مدار الساعة، بل كذلك في هذه الجرعات العالية والمتواصلة من العنصرية التي يجري إطلاقها باتجاه الروس، سواء من قبل الرئاسة الأوكرينية (المشبوهة بالعنصرية والفاشية أساساً) أو من قبل الخارج الغربي عموماً (المُفترض أنه أوسع أُفقاً) بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا معصوبة العينين. لكن العنصرية كما هو معروف، سلاح ذو حدّين، ولا بد لمن يستخدمه أن يجني الكثير من مفاعيله. فالغرب عموماً على ضفتيّ الأطلسي يشنّ بأوكرينيا حربه بالوكالة ضد موسكو، مُستعدياً الروس على أسس عُنصرية، في حين أن هدفه العملي هو إزاحة منافس غير مُتاح إخضاعه بالقوة ولا شراؤه بالترغيب واالترهيب. وفي هذا السبيل يعتمد البنتاغون بشكل بات مقيتاً، التسعير العنصري ومعه المتشددين المأجورين، سواء منهم الأوكرينيين (النازيين) في الداخل أو المجمعات الإرهابية المتمسلمة (داعش وأضرابه) الذين اعتاد إدارتهم واستخدامهم في حروبه حول العالم، فضلاً عن المرتزقة الغربيين الذين كثر الحديث عنهم في الفترة الأخيرة. وإلى جانب ذلك يشنّ حملات من البروباغندا العدوانية، عنوانها ما يُسمّيه “الخطر الآسيوي” المزعوم أنه يهدّد أوروبا والغرب، فيعمل على إسباغ مواصفات المغول والتتار على الروس، مع كلّ الصّور التاريخية الاستبدادية والوحشية التي حملها التاريخ، ويعمل بجهد واسع لتقديم الجيش الروسي في صورة “هولاكو” أوكرينيا و”جنكيز خان” هذا العصر…

وسط هذه الرقصة الوحشية في ليل بلا قمر، يبدو أن لا أحد في الغرب يريد أن يتذكر أن روسيا هذه هي نفسها التي هزمت النازية (الحقيقية) بدفنها جيوش أدولف هتلر في لينينغراد، فأنهت الحرب العالمية بالضربة الكاسحة ودفعت مقابل ذلك من جثث شهدائها ما يكفي ليملأ البحار، لكنها أنقذت نفسها والغرب كله من براثن العدوّ النازي. وقبل ذلك فإن روسيا ذاتها هي التي قضت على طموحات بونابرت الذي كان في سبيله إلى إخضاع أوروبا وانتزاعها من نبلائها وامرائها وملوكها وإخضاعها لسلطانه. هذا كله يتم تجاهله اليوم في سبيل إرساء بروتوكول جديد يحقق نوعاً من القوننة السياسية لمشروع بناء جدار عداوة مُحكمة بين الغرب والشرق، لا أحد يعلم إلى أين سيؤدي.
يجري هذا كلّه وسط تجاهل مُستهجن لحقائق الأرض التي يعملون على إعادة تشكيلها. فعلى كل غربي، بموجب هذا البروتوكول المريب، أن ينظر إلى الروس على أنهم “باتوا” آىسيويين، بمعني أنهم مُختلفين وبالتالي غرباء وأعداء، في حين يتوجب اعتبار الأوكرينيين (المتخالطين مع الروس في الجغرافيا والأرض والمجتمع واللغة والعادات والتقاليد)، “أوروبيين” وغربيين… ومن ذوي البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعيون الملوّنة، من دون اعتبار أن هذه هي ذاتها مواصفات الروسي من حيث البشرة والشعر والعيون.
صحيح أن المشروع الأميركي يقتضي محاربة الروس بالأوكرينيين وبالأوروبيين جميعاً كما تقتضي المصلحة، لكن الصحيح أيضاً أن الشارعين الأوروبي والأميركي ما عادا في منأى عن الضرر المباشر لهذه الحرب المجنونة التي يصرّ الأميركي على إغفال أسبابها الحقيقية، ويمضي في تسعيرها من دون الاهتمام بارتداداتها. وها هي المزايدات التي تدعم الولايات المتحدة “زيلينسكي” من خلالها، تصبح مُكلفة أكثر يوماً بعد يوم، وتُلزم الطرفين الغربيين بمبالغ مالية هائلة من جهة، وتسبب لهما معاً الكثير من الضرر على المستويات الاقتصادية والتجارية والإنتاجية، مما باتت تأثيراته تتجلّى بشكل واضح في مختلف أنحاء القارة العجوز، كما في الميدان الأميركي الداخلي نفسه، حيث يجري تسجيل ارتفاع حثيث في أسعار الوقود والطاقة، مع ظهور أرتال السيارات في الشوارع الأميركية أمام محطات توزيع الوقود.
أمام ذلك ينهار منطق التساؤلات عن سرّ تأخر الروس في إنهاء الحرب، ويتقدم التساؤل الأكثر جدّية وإحراجاً عن سرّ إصرار الغرب (واشنطن من باب أولى) على إطلاق نار العقوبات في قدمه، بحيث أن الصرخة ظهرت في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وكل أوروبا، وصولاً إلى أميركا، بينما لم يُسمع لها صدى في موسكو التي، بالعكس، ارتفعت أرباحها بارتفاع أسعار ما تصدّره إلى غرب عاجزعن الأستغناء عنه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى